معادلة الغطاء السياسي والعسكري وصناعة الإرهاب في اليمن
تُظهر تجربة القوات المسلحة الجنوبية في مكافحة الإرهاب معادلة ثابتة مفادها أن توفر الغطاء السياسي والعسكري لجماعة الإخوان يخلق بالضرورة بيئة أمنية حاضنة لتنظيم القاعدة، تتحول فيها المدن والمحافظات الخاضعة لهذا الغطاء إلى أوكار رئيسية لقياداته وخبرائه وعناصره ، بينما تأتي عملياته الإرهابية كردّ فعل مباشر على طرد جماعة الإخوان من هذه الجغرافيا أو تلك. وقد تبلورت هذه الخلاصة من خلال مسار طويل من المواجهة الميدانية، بدأ من العاصمة عدن وامتد إلى ساحل حضرموت وأبين ولحج وشبوة، وصولًا إلى وادي وصحراء حضرموت في مراحل لاحقة.
وفي السياق ذاته، لا يمكن فصل الغطاء الحوثي الممتد على طول وعرض المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرته، بما فيها المناطق المحاذية للجنوب، عن نمط مشابه من الشراكة والتخادم مع تنظيم القاعدة.
فالهجمات بالطائرات المسيّرة التي تُستهدف بها القوات المسلحة الجنوبية لا تعكس قدرة حقيقية لمليشيات الحوثي على اختراق الجنوب بعد عمليتي «المستقبل الواعد» في وادي وصحراء حضرموت و«الحسم» في أبين، بقدر ما تؤكد حقيقة أخطر، وهي أن عناصر تنظيم القاعدة يُعاد إعدادهم ليكونوا رأس الحربة في الخطوط الأمامية لأي معركة كبرى محتملة إلى جانب مليشيات الحوثي ، والحقيقة إن كسر هذه المعادلة لا يبدو ممكنًا إلا عبر تحول جذري وسريع في الموقف الإقليمي، يصل حد الضغط الجبري ، على الأطراف الشمالية المنضوية في إطار ما يسمى بالحكومة الشرعية، وتحديدًا جماعة الإخوان، للتخلي عن مخططها القائم اليوم على تجميع وتحشيد رصيدها التاريخي من عناصر القاعدة وداعش باتجاه الجنوب، والاقتناع بأن تطهير الجنوب وتأمين ظهر قواته المسلحة يمثلان ضمانة حقيقية لانتصار معركة الشمال ضد الحوثي ومشروعه الإيراني.
وبالعودة إلى مسألة الغطاء السياسي والعسكري لتنظيم القاعدة، يتضح أن جماعة الإخوان، ممثلة بحزب الإصلاح ومليشياته المسلحة والتشكيلات العسكرية الموالية له، شكّلت على مدى عقود الظل الأكبر الذي حجب رؤية العالم، بما في ذلك التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، عن حقيقة تنظيم القاعدة في اليمن وجزيرة العرب منذ لحظة تشكّله الأولى، بل ومنذ ولادته من رحم هذه الجماعة نفسها. ويتجلى ذلك بوضوح عبر تسلسل زمني من الأحداث المفصلية، بدءًا من ما سُمي بالغزوة الأولى التي استهدفت الجنوب واحتلته في صيف 1994م، مرورًا بغزوة عدن الثانية، في العملية الإرهابية التي استهدفت المدمرة الأمريكية «يو إس إس كول» عام 2000م، والغزوة التي استهدفت السفينة الفرنسية «ليمبورغ» في حضرموت عام 2002م، وقبلها الهجوم الإرهابي العالمي في 11 سبتمبر الاسود عام 2001م، الذي جرى التفاخر به علنًا في منابر ومساجد صنعاء وكابول، وغزوة حضرموت الثانية حين جرى تسليم مدن ساحل حضرموت في 2 ابريل 2015، وفي مقدمتها المكلا، لتنظيم القاعدة من قبل قيادات عسكرية وقيادة السلطة المحلية التابعة لجماعة الاخوان بالمحافظة، قبل أن تتحرر لاحقًا على يد قوات النخبة الحضرمية في فبراير 2016م بدعم وإسناد من القوات الإماراتية ،وصولًا إلى غزوة عدن الثانية في أغسطس 2019م.
هذا الغطاء إنقشع عن وادي وصحراء حضرموت ومحافظة المهرة مطلع ديسمبر الجاري، في عملية «المستقبل الواعد» التي نفذتها القوات المسلحة الجنوبية، وفي مقدمتها النخبة الحضرمية، ليتقلص نفوذه الجغرافي إلى محافظة مأرب ومناطق التحشيد التابعة لمليشيات الإخوان على تخوم وادي حضرموت. ومع هذا التقلص الذي يحسب لانجازات القوات المسلحة الجنوبية، اصبح من السهل تنفيذ ضربات موجعة في التنضيم ، كما ان هذا الغطاء لم يعد قادرًا على حجب الرؤية الدولية، وهو ما يفسر تواصل الضربات الجوية الأمريكية التي تستهدف قيادات تنظيم القاعدة واحدًا تلو الآخر.
وفي هذا السياق، جاءت الغارة الجوية الأمريكية اليوم التي أسفرت عن مصرع قيادي خبير في تجهيز الطائرات المسيرة لتنظيم القاعدة بجزيرة العرب يُدعى كمال الصنعاني، في منطقة الخسيف بوادي عبيدة شرق محافظة مأرب، إلى جانب مقتل عنصر آخر كان برفقته .
ويُعد الصنعاني من أبرز خبراء التنظيم في مجال تجهيز الطائرات بدون طيار والمتفجرات، ما يجعل مقتله ضربة موجعة للتنظيم، وإن كانت لا ترقى إلى إحداث نزيف نوعي عميق في العنصر البشري النوعي للتنظيم ، رغم الاستهداف الجوي المستمر طالما وفي مأرب وتحت غطاء ما يسمى الجيش والوطني الموالي لجماعة الاخوان، كلية جوية خاصة بتخريج خبراء في استخدام الطيران المسير.
ولتنظيم القاعدة من مقاعدها نصيبٌ يُضاف إلى نصيبها من المسيّرات الإيرانية، من حليفها الحوثي، لتُشكّل، خلال عقدٍ من كسب ودّها واسترضائها في التسليح والتأهيل والتدريب، مهدِّدًا حقيقيًا لأمن الجنوب ودول الخليج العربي على حدٍّ سواء، وما الاستهدافُ المتواصل للقوات المسلحة الجنوبية إلا جرسُ إنذارٍ ينبغي أن تُنصت له دول الخليج ، وترفع أذنيها بعيدًا عن حالة الإلهاء التي تفرضها السردية الإخوانية وضجيجها.















