مستشفى عبود العسكري .. من أطلال الماضي إلى أيقونة النهضة الطبية بعهد الرئيس الزُبيدي

قائد منصور- درع الجنوب


لم يعد مستشفى عبود العسكري في خور مكسر بالعاصمة عدن مجرد مبنى قديم يختزن ذكريات الماضي، بل تحوّل اليوم إلى صرح طبي شامخ يعكس تاريخًا عريقًا ونهضة متجددة، بفضل رعاية الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية والأمن، لقد أصبح هذا المستشفى شاهدًا حيًا على قدرة الجنوب على النهوض من تحت الركام، واستعادة مجده في مختلف الميادين، وعلى رأسها الميدان الصحي العسكري.


*من محطة بريطانية إلى مؤسسة وطنية

تأسس المستشفى عام 1957 لخدمة جنود القوات البريطانية، وكان لعقود رمزًا طبيًا بارزًا في المنطقة بفضل تصميمه ومكانته الإقليمية، مرّ بثلاث مراحل متناقضة:

ـ مرحلة الازدهار التي شهد فيها ذروة عطائه ببنية متكاملة وكوادر متميزة.

ـ مرحلة التدهور و الإهمال

مع أحداث ما بعد الوحدة عام 1990، وتحديدًا منذ منتصف التسعينات، بدأت مرحلة الانهيار حيث أُهملت أقسامه تدريجيًا، تعطلت معظم أجهزته، غاب الدعم الحكومي، وتراجعت الكفاءات الطبية بفعل التهميش الممنهج للقطاع العسكري الجنوبي، تحول المستشفى إلى مبنى باهت لا يليق بتاريخه، واضطر العسكريون والمواطنون إلى البحث عن العلاج في المستشفيات الخاصة أو السفر إلى الخارج، في وقت كانت فيه الحاجة ماسّة إلى وجود مستشفى عسكري متكامل.


ـ مرحلة النهوض والنهضة الجديدة

منذ عام 2017، ومع بروز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية وعسكرية، بدأ الحديث عن ضرورة إعادة الحياة إلى مستشفى عبود العسكري، وبفضل رعاية الرئيس الزبيدي، تُوجت هذه الجهود في 2025 بإنجاز طبي كبير، حيث تحوّل المستشفى إلى مركز متكامل مجهز بأحدث الأجهزة الطبية ويضم نخبة من الأطباء والاستشاريين، ليصبح عنوانًا لنهضة طبية جنوبية رائدة.


*انضباط عسكري وحسن تعامل

ما لفت انتباهي عند دخولي المستشفى، الانضباط الصارم والهندام العسكري الموحد لأفراد وضباط الشرطة العسكرية الجنوبية، الذين يقفون على بوابة المستشفى بكل يقظة وحزم، لكن من دون أن يغيب عنهم البُعد الإنساني، إذ يقابلون الزوار والمرضى بالترحيب والابتسامة، في مشهد يجسد التوازن بين الانضباط العسكري والروح الإنسانية، هذه الصورة تعكس فلسفة القوات المسلحة الجنوبية في الجمع بين القوة والأخلاق، بين الصرامة وحسن التعامل.


*تعاون طبي ميداني

.بفضل دعم رئيس دائرة الخدمات الطبية العميد الدكتور عارف الداعري، وبتكليف وتنسيق مسبق من مدير دائرة التوجيه المعنوي والسياسي للقوات المسلحة الجنوبية العميد وهيب بن سلم رافقنا الدكتور أنور السفياني في جولة ميدانية شملت جميع أقسام المستشفى، لم يكن مجرد دليل يعرّفنا بالمكان، بل كان شاهدًا على التحولات العميقة التي شهدها المستشفى خلال السنوات الأخيرة، هذا التعاون الميداني يعكس الشفافية والانفتاح، ويؤكد أن الإدارة الطبية تدرك أهمية الإعلام في توثيق الإنجازات ونقل صورة صادقة للواقع.

 

*بنك الدم… عطاء بلا حدود

المشهد في بنك الدم كان إنسانيًا بامتياز.. جنود من قواتنا المسلحة الجنوبية يتبرعون بدمائهم طواعية لإنقاذ حياة الآخرين.. هؤلاء الجنود الذين تعودوا على التضحية بدمائهم في جبهات القتال من أجل الوطن، يواصلون ذات التضحية هنا، لكن في ميدان الحياة.. إنها صورة مهيبة تؤكد أن العطاء بالنسبة للجنوبيين ليس محصورًا بساحات الحرب، بل يمتد إلى كل مفاصل الحياة.

 

*قسم العمليات.. غرفة عرس لا غرفة جراحة

في قسم العمليات، كانت الدهشة حاضرة، أثناء متابعتنا لعملية جراحية كبرى في قسم العظام، لمسنا مهارة نادرة لدى الطاقم الطبي، فلم يكن الأمر مقتصرًا على البراعة الجراحية، بل تعداه إلى روح إنسانية عالية، الأطباء والممرضون كانوا يرفعون معنويات المريض قبل دخوله غرفة العمليات، حتى جعله يشعر وكأنه على أعتاب قاعة عرس، لا غرفة جراحة، هذه الروح المعنوية الفريدة تمنح المريض طمأنينة غير مسبوقة، وتؤكد أن الطب هنا ليس مجرد مهنة، بل رسالة إنسانية.

 

*الغسيل الكلوي.. نظافه وتجهيزات حديثة

قسم الغسيل الكلوي يعكس صورة أخرى للنهضة.. نظافة مدهشة، أجهزة متطورة، وكادر طبي نشط يعمل بروح الفريق الواحد، كما تم تزويد المستشفى بأجهزة مخبرية متقدمة رفعت من دقة التشخيص وسرعة النتائج، مما جنّب المرضى الكثير من المعاناة.

ولم يتوقف التطوير هنا، بل شمل افتتاح وحدات متكاملة لأمراض الفشل الكلوي والقلب، مزودة بأجهزة قسطرة وتشخيص متقدم، إضافة إلى مركز تخصصي لجراحة وطب العيون، ما جعل المستشفى يغني الكثيرين عن السفر إلى الخارج للعلاج.


 

*مركز العمري… نقلة نوعية

يُعد "مركز العمري"، الذي افتتحه الرئيس الزبيدي، بمثابة نقلة نوعية في تاريخ المستشفى حيث يتسع لـ 100 سرير موزعة على أقسام الباطنة والجراحة العامة والعظام والنساء والأطفال، كما يحتوي على غرف عزل مجهزة بمعايير عالمية، وقاعة اجتماعات تتسع لـ 50 مقعدًا، ومداخل ومخارج طوارئ بمعايير دولية، هذا المركز يمثل رسالة واضحة مفادها أن النهضة الطبية في الجنوب ليست شعارًا، بل واقع ملموس.


 

*رعاية الجرحى… أولوية وطنية

في قسم العلاج الطبيعي، وجدنا اهتمامًا كبيرًا بجرحى قواتنا المسلحة الجنوبية حيث يتوفر في هذا القسم العديد من الأجهزة الحديثة وكذا الكادر المخصص حيث يجري تمارين علاجية مصممة بعناية لإعادة تأهيل أبطالنا الذين ضحوا بأجسادهم في سبيل الوطن، هذا الاهتمام يعكس وفاء القيادة السياسية والعسكرية لجرحاها، ويؤكد أن الجنوب لا ينسى تضحيات أبنائه.


 

*تنظيم إداري وشفافية عالية

إحدى علامات التحول اللافتة كانت في الجانب الإداري المميز من أرشيف إداري منظم، وكذا مخازن أدوية ومعدات طبية مرتبة بدقة، ومتابعة مستمرة لحركة الأدوية لضمان الشفافية، هذه المنظومة الإدارية تعكس رؤية حديثة في إدارة المؤسسات الطبية، وتضمن استمرارية العمل بعيدًا عن العشوائية والفساد.

 

*كادر متخصص وتدريب مستمر

لم يكن التطوير مقتصرًا على المباني والأجهزة، بل امتد إلى العنصر البشري حيث يضم المستشفى اليوم استشاريين محليين في تخصصات القلب والعيون والجراحة العامة والتخدير، إضافة إلى طواقم تمريض مؤهلة ومدربة، كما تم اعتماده كمركز تدريبي سنوي للأطباء والكوادر الطبية، في خطوة تهدف إلى رفع كفاءة الأداء وضمان استدامة النهضة الطبية.

 

*انعكاسات التطوير على المجتمع

هذه التحولات لم تقتصر على العسكريين، بل شملت المجتمع المدني أيضًا، كثير من المواطنين وجدوا في مستشفى عبود العسكري ملاذًا طبيًا موثوقًا يغنيهم عن مشقة السفر والعلاج في الخارج. تقارير محلية وشهادات مواطنين وصفوا المستشفى بأنه "أعاد عدن إلى مكانتها الطبية التاريخية"، مؤكدين أن ما تحقق يمثل نقلة نوعية تعيد الثقة بالقطاع الصحي العسكري.

رغم كل هذه النجاحات، فإن التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على هذه المكتسبات، لذلك يتطلب سياسات ثابتة في التمويل والصيانة والتدريب، إلى جانب استراتيجيات لمواكبة التطورات الطبية العالمية، فالنهضة لا تُقاس فقط بما تحقق، بل بقدرة المؤسسة على الاستمرار والتطور.

 

*حصن طبي للجنوب

اليوم، يقف مستشفى عبود العسكري شاهدًا على تحول تاريخي من التهميش إلى الريادة، ومن الإهمال إلى العطاء، لقد أصبح حصنًا طبيًا يخدم أبطال القوات المسلحة الجنوبية والأمن، وركيزة من ركائز النهضة الجنوبية بقيادة الرئيس الزبيدي.


إن هذا الصرح ليس مجرد مستشفى، بل رمز لقدرة الجنوب على النهوض رغم كل التحديات، وإشارة واضحة إلى أن مشروع الدولة الجنوبية يتأسس على قواعد صلبة، صحية و عسكرية وإنسانية.