عملية الحسم: تتويج عقدٍ من العمليات العسكرية المتواصلة لقواتنا المسلحة الجنوبية ضد الإرهاب
تأتي عملية الحسم التي أطلقتها قواتنا المسلحة الجنوبية في محافظة أبين تأكيدًا قاطعًا على أن معركة الجنوب ضد الإرهاب ليست إجراءً ظرفيًا أو ردّة فعل مؤقتة، بل مسارًا استراتيجيًا طويل الأمد وممنهجًا، قائمًا على تراكم ميداني، وخبرة قتالية، ورؤية أمنية واضحة. وتمثل هذه العملية محطة مفصلية في إطار الحرب الشاملة على التنظيمات الإرهابية، وتتويجًا لجهود عسكرية وأمنية امتدت لما يقارب عقدًا من الزمن، كما تحمل رسالة حاسمة مفادها أن الجنوب لن يسمح بإعادة إنتاج الفوضى أو تحويل جغرافيته إلى مسرح مفتوح للجماعات المتطرفة وأدواتها السياسية والعسكرية، مهما تعددت مسمياتها أو تبدلت تحالفاتها، مؤكدًا في الوقت ذاته دوره المحوري في تعزيز أمن واستقرار الجنوب العربي و الإقليم ومواجهة الشبكات الإرهابية العابرة للحدود.
مسار متواصل في مكافحة الإرهاب
جاءت عملية الحسم امتدادًا طبيعيًا لسلسلة العمليات والحملات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة الجنوبية منذ عام 2016، ضمن معركة شاملة ومتكاملة ضد التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيما القاعدة وداعش.
وانطلق هذا المسار العملياتي بتطهير مديرية المنصورة في العاصمة عدن في 30 مارس 2016، أعقبه تطهير محافظة لحج في 15 أبريل 2016، وصولًا إلى تحرير مدينة المكلا في 20 أبريل 2016 من سيطرة تنظيم القاعدة، في واحدة من أعنف الضربات الاستراتيجية التي تلقاها التنظيم على مستوى فروعه في المنطقة العربية.
وواصلت القوات المسلحة الجنوبية تنفيذ عمليات نوعية عالية التأثير، حيث أُطلقت في 18 فبراير 2018 عملية الفيصل، التي أسفرت عن تطهير وادي المسيني غرب المكلا، والذي كان يُعد أحد أخطر معاقل تنظيم القاعدة في حضرموت. وبعد أيام قليلة، وفي 26 فبراير 2018، نُفذت عملية السيف الحاسم في محافظة شبوة، واستهدفت عناصر التنظيم في مديرية الصعيد ووادي يشبم، ونجحت في طردهم وتفكيك بنيتهم القتالية ومراكز التجنيد .
كما شهدت محافظة أبين استكمال تنفيذ عملية السيل الجارف في 6 مارس 2018، لتطهير وادي حمار بمديرية المحفد، وهي عملية قادها الشهيدان القائدان العميد عبداللطيف السيد والعميد منير أبو اليمامة. غير أن مليشيات الإخوان المسلمين أعادت لاحقًا تمكين تنظيم القاعدة من العودة إلى الوادي في أغسطس 2019، في مشهد كشف مبكرًا طبيعة العلاقة والتنسيق غير المعلن بين الطرفين.
تصعيد نوعي وعمليات فاصلة
«في مطلع عام 2022، أطلقت قواتنا المسلحة الجنوبية عملية إعصار الجنوب في الأول من يناير 2022، والتي أسفرت عن تحرير مديريات بيحان وعسيلان وعين بمحافظة شبوة، بعد أن كانت قد سُلِّمت من قبل مليشيات الإخوان إلى مليشيات الحوثي قبل نحو ثلاثة أشهر، في واقعة جسّدت بوضوح مستوى التنسيق والتحالف الميداني بين الطرفين.
في 23 أغسطس 2022 أطلقت قواتنا المسلحة الجنوبية عملية ”سهام الشرق“، التي استهدفت تطهير مديريات المنطقة الوسطى بمحافظة أبين.
من العناصر الإرهابية اعقبها في 11 سبتمبر من العام نفسه ، عملية ”سهام الجنوب“ لتطهير محافظة شبوة من عناصر تنظيم القاعدة.
وقد شكّلت عملية سهام الشرق، بمراحلها الأربع، تحوّلًا جذريًا في مسار الحرب على الإرهاب، حيث أبرزت قدرة القوات المسلحة الجنوبية على إدارة معركة مستقلة عالية الكفاءة والتعقيد. وتمكنت قواتنا المسلحة ، خلال العملية، من تطهير عدد واسع من الأودية والمعسكرات التابعة لتنظيم القاعدة، وفي مقدمتها وادي عومران، الذي يُعد أحد أكبر معاقل التنظيم الإرهابي في شبه الجزيرة العربية ، وشكّل ذلك ضربة مدوية للتنظيم، الذي ظل يستخدم الوادي لسنوات كقاعدة رئيسية لعملياته، خاصة بعد خسارته مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، في 20 أبريل 2016، في عملية نوعية خطفت أنظار العالم وحرمت التنظيم من استغلال أهم الحواضر المطلة على بحر العرب.
وإلى جانب معسكر وادي عومران في مديرية مودية، حررت القوات المسلحة الجنوبية معسكر وادي السري في مديرية أحور (خبر المراقشة)، ومعسكري عكد وسلى في مديرية لودر، إضافة إلى أودية ومعسكرات موجان في مديرية أحور، والخيالة في مديرية المحفد، والنسيل في مديرية مودية، فضلًا عن معسكرات الحجلة وجنن ورفض، الواقعة على حدود محافظة البيضاء الشمالية الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي، والتي كانت تمثل خطوط إمداد رئيسية للتنظيم بالعدة والعتاد.
وعقب هذه الخسائر الميدانية الكبيرة، لجأ تنظيم القاعدة إلى تغيير تكتيكاته، معتمدًا على التفجيرات الانتحارية والعبوات الناسفة، مستهدفًا قيادات جنوبية بارزة. وكان من أبرز تلك العمليات استشهاد العميد عبداللطيف السيد في أغسطس 2023، إلى جانب محاولة اغتيال قائد اللواء الثامن صاعقة، العميد الخضر حمصان، في العام نفسه.»
التحالف الحوثي الإخواني القاعدي ضد الجنوب
«في 18 أغسطس 2024، نفّذ تنظيم القاعدة هجومًا إرهابيًا بسيارة مفخخة استهدف موقعًا عسكريًا للقوات المسلحة الجنوبية في مديرية مودية بمحافظة أبين. وعاد التنظيم لتصعيد عملياته مجددًا في 21 أكتوبر 2025 عبر هجوم إرهابي استهدف المجمع الحكومي بمديرية المحفد، حيث كشفت المعلومات أن العناصر المنفذة تنتمي إلى محافظات شمالية.
وتؤكد الوقائع الميدانية أن عودة نشاط تنظيم القاعدة لم تكن بمعزل عن بيئة سياسية وعسكرية حاضنة وفّرتها مليشيات الحوثي والتنظيمات الإخوانية، رغم التناقض الأيديولوجي الظاهري بينها. فقد أظهرت التحقيقات أن غالبية عناصر القاعدة المنخرطة في تنفيذ العمليات بمحافظة أبين يتوافدون من محافظتي البيضاء ومأرب، الخاضعتين لسيطرة مليشيات الحوثي والإخوان، ما يكشف بوضوح عن وجود خطوط إمداد بشرية ولوجستية مشتركة.
وتشير تقارير استخباراتية إلى أن زعيم تنظيم القاعدة، سيف العدل، يقيم في إيران ويتمتع بحمايتها، وهو ما يفسر امتلاك التنظيم تجهيزات عسكرية متطورة ومواد متفجرة إيرانية الصنع، جرى ضبط بعضها في محافظتي أبين وشبوة، بما في ذلك طائرات مسيّرة وأنظمة تفجير ذكية.
ويقوم هذا التحالف الثلاثي بين مليشيات الحوثي وتنظيم القاعدة وجماعة الإخوان باستهداف الجنوب وقواته المسلحة، وهو ما يفسر غياب أي مواجهات جدية بين هذه الأطراف في محافظات الشمال الواقعة تحت سيطرة الحوثي، مقابل تركيزها الكامل على استهداف الجنوب وضرب استقراره الأمني.
الجنوب شريك إقليمي في مكافحة الإرهاب
شكّل الدعم الإماراتي ركيزة أساسية في نجاح العمليات العسكرية للقوات المسلحة الجنوبية، عبر الإسناد اللوجستي والتدريب والتأهيل، ما أسهم في ترسيخ هذا الدور وحظي بتقدير شعبي واسع، وبفعل هذه الشراكة الاستراتيجية، باتت القوات المسلحة الجنوبية نموذجًا ميدانيًا موثوقًا به إقليميًا ودوليًا في مكافحة الإرهاب.
وفي هذا السياق، تجاوزت معركة الجنوب ضد الإرهاب بعدها المحلي لتصبح جزءًا من منظومة الأمن الإقليمي، خصوصًا مع ما يمثله موقع الجنوب الاستراتيجي المطل على خطوط الملاحة الدولية في خليج عدن وباب المندب.»
عملية الحسم… رسالة استراتيجية
إن عملية الحسم التي أطلقتها قواتنا المسلحة الجنوبية لتطهير محافظة أبين ليست مجرد حملة عسكرية لتطهير جغرافي، بل رسالة استراتيجية تؤكد أن الجنوب ماضٍ في تفكيك الشبكات الإرهابية مهما تعددت مسمياتها وتحالفاتها، وهي استكمال لعملية المستقبل الواعد التي انطلقت في 3 ديسمبر 2025 لتحرير وادي وصحراء حضرموت ومدينة سيئون ومحافظة المهرة من مليشيات المنطقة العسكرية الاولى التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.
لقد أثبتت القوات المسلحة الجنوبية عبر هذا المسار الطويل أنها القوة الأكثر جدية وانضباطًا في مواجهة الإرهاب، وأنها شريك إقليمي لا غنى عنه في معركة عابرة للحدود تمس أمن المنطقة والعالم.
إن عملية الحسم ليست نهاية المعركة، لكنها تؤكد أن الجنوب، بقواته المسلحة وتحالفاته الإقليمية، بات الرقم الأصعب في معادلة مكافحة الإرهاب، وأن كل محاولات إحياء تنظيم القاعدة أو توظيفه سياسيًا ستتحطم أمام إرادة شعب الجنوب وقواته المسلحة، التي حققت الانتصارات وتدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن أمن الجنوب يمثّل خط الدفاع الأول عن أمن الإقليم بأسره.»















