المستقبل الواعد.. فجرُ جنوبي يعلن سقوط مرحلة كاملة
لم تكن عملية المستقبل الواعد مجرد تحرك عسكري عابر، بل جاءت كإعلان واضح عن مرحلة سياسية جديدة يفرض فيها الجنوب العربي إرادته على الأرض، ويستعيد زمام المبادرة في واحدة من أكثر المناطق حساسية واستراتيجية في حضرموت.
لقد تحركت قواتنا المسلحة الجنوبية إلى وادي وصحراء حضرموت وهي تحمل مشروعاً وطنياً أكبر من عملية أمنية؛ مشروع يهدف إلى تصحيح مسار طال انحرافه، واستعادة القرار الأمني الذي ظل مرتهناً لجهات لم تمثل تطلعات المواطنين ولا انتماء المنطقة، ولا حافظت على استقرارها.
دخلت قواتنا العملية بخبرة ميدانية راسخة، وإرادة سياسية واضحة، ورؤية لا تقبل العودة إلى زمن الفوضى، فوجود قوى خارج النظام في الوادي لم يكن حدثاً عابراً، بل خللاً تراكمت آثاره على حياة الناس، وسمح بخلق واقع مشوَّه لا يليق بحضرموت ولا بمكانتها.
ومن هنا انطلقت العملية بوصفها خطوة ضرورية لفرض سيادة الدولة الجنوبية على كامل الجغرافيا التي تنتمي إليها سياسياً واجتماعياً، ولوقف مرحلة طويلة من العبث الذي أرهق الأهالي وأضر باستقرار المنطقة.
لقد حمل التقدم العسكري رسائل سياسية عميقة؛ إذ بدا واضحاً أن الجنوب العربي يعلن اليوم أنه قادر على حماية مناطقه، وقادر على إدارة أمنه، وقادر على استعادة المناطق التي غُيّبت عنه بفعل ترتيبات ما قبل الحرب وما بعدها.. كان التحرك متناسقاً على الأرض، لكن تأثيره الأكبر كان على المستوى السياسي، حيث تلاشت مراكز النفوذ القديمة، وبدأت تتضح ملامح مشهد جديد لا مكان فيه للسلطة الموازية، ولا للقرارات المفروضة من خارج الإرادة الشعبية الحضرمية والجنوبية.
هذا التحول كان جلياً في ردّة الفعل الشعبية.. فالمواطن في الوادي والصحراء لم يكتفِ بمشاهدة العملية؛ بل استقبل قواتنا بنظرة مختلفة، نظرة تُحمّلها مسؤولية حماية الوادي، وتمنحها الشرعية الاجتماعية التي غابت عن قوى أخرى كانت تمارس حضوراً مفروضاً لا يستند إلى حاضنة محلية.. لقد شعر الناس لأول مرة منذ سنوات أن استعادة الأمن ليست وعداً نظرياً، بل واقعاً يتحقق على أيدي قوة يعرفونها، وينتمون إليها، ويرون فيها الضامن الحقيقي لمصالحهم.
إن عملية المستقبل الواعد لم تكتفِ بتثبيت الأمن؛ بل أعادت رسم ميزان القوى، ووضعت حضرموت على طريق سياسي مختلف، عنوانه أن الجنوب العربي لا يقبل أن يُدار أمنه إلا بقراره، وأن الوادي والصحراء جزء لا يتجزأ من مشروع الدولة المنشودة، وأن المرحلة المقبلة ستقوم على ترسيخ حضور القوة المؤسسية الجنوبية في كل منطقة تحتاج إلى حماية واستقرار.
بهذا المعنى، فإن العملية لم تكن مجرد خطوة عسكرية، بل كانت خطوة سياسية بامتياز، حملت رسالة واضحة: لن يعود الوادي إلى فراغه القديم، ولن تُترك حضرموت رهينة نفوذٍ غير شرعي بعد اليوم، ولن يُبنى مستقبلها إلا بإرادة أبنائها وبقيادة مؤسساتهم العسكرية والأمنية.
ومع كل شبر تستعيده القوات من الوادي والصحراء، تتعزز قناعة الناس بأن زمن الفوضى انتهى، وأن جنوب اليوم أكثر قدرة على حماية مستقبله وصياغة معادلته السياسية على الأرض، لا بالبيانات ولا بالشعارات، بل بالفعل الميداني والقرار السيادي الذي يفرض نفسه بثبات.















