الجنوب أولاً.. الرئيس الزُبيدي يحدد ضمانات وشروط السلام
حديث الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي في جامعة كولومبيا على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة وكذا مقابلاته الصحفية لكبرى وسائل الإعلام العالمية عوضا عن كلمته في مجلس الأمن للمرة الثانية على التوالي كلها لم تكن مجرد مشاركة اعتيادية، كما يسعى أن يصورها من اوجعهم هذا الحضور الكبير للجنوب وقضيته، بل محطة مفصلية نقلت قضية الجنوب إلى اعلى المحافل الدولية وقلب النقاش الدولي.
الرئيس الزُبيدي تحدث بوضوح وبلغة اقناعية تستند الى العوامل التاريخية والواقع، أكد أن أي حديث عن سلام أو استقرار دائم في اليمن يظل وهماً ما لم يُعترف بحق الجنوب في تقرير مصيره والعودة إلى وضع الدولتين قبل مشروع الوحدة الذي فشل منذ لحظاته الأولى عام 1990.
هذا الموقف الحاسم لم يُطرح من باب الحجج المفتوحة للمراجعة ، بل أمر واقع دامغ ومفرغ منه استند إلى حقائق ووقائع أثبتت أن إنكار الواقع هو ما يُغذي الصراع ويُهدد الأمن الإقليمي والدولي، وأن محاولة ترميم الوحدة الميتة لا تجلب سوى مزيد من الصراع.
في حديثه أيضا، قدم الرئيس الزُبيدي الجنوب كضمانة للاستقرار، في مواجهة مشروع الحوثي الطائفي الذي يسعى لاستنساخ التجربة الإيرانية وتحويل الشمال إلى قاعدة أيديولوجية مسلحة تهدد الملاحة الدولية وأمن المنطقة محذرا في كلمة في مجلس الأمن من استخدام المليشيات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في شن هجمات إرهابية.
وفي المقابل وضع الجنوب كدولة مستعادة، الخيار الذي لا ثاني له يقوم على الديمقراطية والتعددية والحرية والتنمية، وهو ما يضع المجتمع الدولي أمام خيار حاسم: دعم مشروع استعادة دولة الجنوب الحديثة التي بدات تنهض بملامحها، أو الإصرار على إنعاش تجربة فاشلة وخيار هش ومجرب "الوحدة " عجز عن بناء دولة وعاجز عن مواجهة المليشيات الحوثية وفي الوقت ذاته مستمر في انتاج الازمات والصراعات ذاتها.
الرئيس الزُُبيدي كان صريحاً حين حذر من أن خارطة الطريق الأممية الأخيرة قد تُشرعن سلطة الحوثيين وتمنحهم غطاءً دولياً للهيمنة على كامل اليمن، وهو أمر يرفضه الجنوب بشكل قاطع، مؤكداً أن أي عملية سياسية مستقبلية يجب أن تنطلق من الواقع على الأرض ومن الاعتراف بحق الجنوب في الحرية والسيادة واستعادة دولته.
في الوقت ذاته، أوضح أن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يتعامل مع القضية من زاوية سياسية مجردة، بل يعمل على الأرض لتحسين الخدمات وتعزيز الاقتصاد بالتعاون مع مؤسسات دولية كالبنك الدولي، ومواجهة التحديات الإنسانية المباشرة ، وهو ما يعكس جدية وتجربة نجاح في ممارسة الحكم وإثبات القدرة على إدارة دولة الجنوب.
ما ميز خطاب الزُبيدي أنه جمع بين الواقعية السياسية والجرأة والقوة في الطرح، مقدماً إعلانا استراتيجيا عن سبل مواجهة التحديات والمخاطر ورؤية متكاملة مفادها أن الجنوب ليس عبئاً بل فرصة استراتيجية، وأن تجاهله يعني تكريس الصراع وتمكين الحوثي والإرهاب.. ما يعني أن المجتمع الدولي اليوم أمام لحظة اختبار تاريخية: إما أن يتعاطى بجدية مع هذه المعادلة ويعيد صياغة مقاربته للسلام في اليمن على أساس الدولتين، (عودة دولة الجنوب) أو يستمر في الدوران في حلقة مفرغة من المبادرات الفاشلة.
وفي المجمل نجح الرئيس الزُبيدي في أن ينقل صوت الجنوب إلى اعلى منابر صناعة القرار الأممي وإلى أرفع منابر النقاش العالمي، مؤكداً أن استعادة دولة الجنوب لم يعد خياراً مؤجلاً، بل مساراً حتمياً سيشكل مفتاح الاستقرار في المنطقة والعالم على حد سواء.