اللواء أحمد سالم عبيد: جبل له صوت.. وتاريخ له روح
في صباح يوم جنوبي مفعم بالوفاء وبأمل النصر، قمنا بصحبة الأخ قائد القوات البرية الجنوبية اللواء الركن علي البيشي (أبو طاهر) صباح يوم الأحد 22 يونيو 2025م بزيارة القائد الجنوبي الكبير، المناضل أبو الشهداء اللواء الركن أحمد سالم عبيد، للاطمئنان على صحته بعد تعرضه لوعكةٍ صحية ألمّت به مؤخرا.
وبعد السلام عليه ومصافحته، ونقل تحيات الأخ الرئيس القائد عيدروس الزبيدي له، لم يسأل عن أحوالنا الشخصية، بل سألنا عن حال شعب الجنوب، وعن الوضع السياسي والعسكري، وعن الصبر.. والأمل.
عندئذ شعرنا أن هذه الزيارة لم تكن عادية بالنسبة له، وأنه لا يريدها تمر كلحظة عابرة منحصرة في الإطمئنان على وضعه الصحيٍّ فقط - سيما وهي تضم قادة كبار ورفاق درب نضالي طويل - كأبي طاهر وأبي فتحي ومرافقيهم - بل كانت أقرب إلى "فرصة منتظرة" استغلّها هذا الجبل الجنوبي الشامخ - ليكسر اعتزاله القسري للسياسة - ليبث شيئا من هموم وطنية يختزلها قلبه الجريح كرسائل ووصايا وطنية ، سمعناها كأنها صادرة من جبل له صوت ، ومن تاريخ له روح.
نعم، سمعناها من رجل لا يساوم في حبّ الجنوب ولا يداهن عند طرحها.. قالها بصوت شاحب قوي جمع بين وهن الجسد وصولة المبدأ :
« شعب الجنوب طيب.. ولا يستحق هذه الحياة المهينة، شعب ثار من أجل العزة والكرامة، لا من أجل حياة الإهانة ونكد العيش كهذه التي وصل اليها اليوم».
ثم بحكمة الخبير العارف بمآلات الثورات وسيَر الثوار.. قال:«شعب الجنوب خرج برجاله ونسائه وفوّض الرئيس عيدروس الزبيدي عن قناعةٍ وثقة، لأنه القائد الثائر المقاتل الذي لا يخذل شعبه او يساوم في قضيته».
الكرامة والشرف فوق كل شيء
إخواني:
«البطن تُشبعها قطعة خبز ومرقة دجاجة، أما الكرامة المُهانة فلا تعوّضها خزائن الأرض.. ناضلنا ضد المستعمر البريطاني والاحتلال اليمني لنرى شعباً حرّاً مرفوع الرأس ، لا شعبا مهانا مقهورا».
وصية تحذيرية من الفاسدين والمتسلقين
بنبرة الحريص الخبير المجرب قال : «الفساد سُمٌّ ينهش الجسد . اجتثوا الفاسدين والمتسلقين، وطهّروا الصفوف.. لا تتركوا مكان لمن لم يقدّم الولاء للجنوب قبل ذاته».
وصية أخيرة:«أنا لا أريد شيئاََ.. أنا أمنيتي الوحيدة أن تُغمض عيناي على جنوبٍ حرٍّ يعيش شعبه بالعزّة والكرامة التي ناضلنا وقدمنا الشهداء من أجلها ».
وهنا استذكرَ بحرقةٍ رفيق دربه الشهيد علي عنتر مستشهدا بحياته البسيطة كمثالٍ خالدٍ للتواضع والبساطة والعظمة.
حقيقة الانسان
ثم بروح الناصح الصادق ختم رسائله بموعظة تبين حقيقة الإنسان، ضمنها رسالة الى جميع رفاقه وإخوانه وكل من عرفه أن يدعوا له بالشفاء وحسن الخاتمة، وقال:«السعيد يا اخواني من خرج من هذه الدنيا والناس تدعوا له، لا تدعوا عليه».
لم ينقطع من حديثه وما كنا نريده ان يقطعه ، لكننا حرصا ومراعاة لحالته الصحية اعتذرنا منه وطلبنا أن يأذن لنا بوداعه، على أمل العودة إليه بزيارة أخرى وقد تحسنت حالته الصحية بمشيئة الله تعالى.
وهكذا ودعنا هذا القائد العظيم ونحن نحمل ثقل الأمانة التي أسداها إلينا في هذه الزيارة.. والتي نلخصها بالآتي :
١. للقيادة: قضية شعب الجنوب وانتصاراته الغالية أمانة في أعناقكم، وكرامة وعزة شعب الجنوب الطيب الوفي خط أحمر.
٢. للقيادات والكوادر الجنوبية الشابة: خذوا من هذا القائد نموذجا وقدوة لكم في حياتكم واحرصوا على زيارته، فالرجل يمثّل أكاديمية وطنية حية، وموسوعة متكاملة في الوطنية والعسكرية والسياسة والثقافة، ونموذجا حيا للأخلاق والنزاهة والتواضع والهيبة والوقار.
٣. لجهات توثيق التاريخ: نأمل تسليطكم الضوء على سيرة هذا القائد الرمز الذي يُختزل فيه تاريخ نضال أمةٍ بأكملها، فهو واحد من البقية النادرة لأولئك القادة الأفذاذ الذين كتبوا فصول تاريخ الجنوب الناصعة بالروح والدم، وحملوه على أكتافهم في صمتٍ مجيد، ليبقى حيّاََ على الأرض وفي ذاكرة الناس والتاريخ.
ختاماً..
هناك الكثير من العناوين العريضة لرسائل وطنية سمعناها من هذا القائد العَلَم سنتطرق لها لاحقا إن شاء الله، وكل ما أوردناه هنا ما هو إلا شيء يسير كشهادة وفاء، ورسالة صدق لرجل عظيم لم يكسر المرض صلابته، ولا الزمان حسرته، ولا خذلان اللحظة إيمانه وحبه لهذا الجنوب الغالي، وكرامة وشرف وعزة شعبه الصامد الصابر.
أخيرا نسأل من الله العلي القدير أن يمن عليه بالشفاء والصحة والعافية والعمر المديد حتى يرى الجنوب وشعب الجنوب في عزة ورخاء.