عقدٌ من تحرير مدينة الصمود #الضالع: من نار المعركة إلى نور الدولة
مرت عشرة أعوام على فجر لا ينسى، فجر ارتفعت فيه الضالع من بين الرماد لتعلن بدء زمن جنوبي جديد... عقد كامل من التضحيات الجسام، والمسيرة المتوهجة التي بدأت من وهج البندقية وانطلقت نحو أفق الدولة المنشودة. لم يكن تحرير الضالع مجرد انتصار عسكري، بل لحظة مفصلية أعادت تشكيل الوعي الثوري الجنوبي، ورسخت في الضمير الجمعي والذاكرة الجنوبية أن المجد يصنع بإرادة الرجال.
في الخامس والعشرين من مايو من العام 2015م، وقفت الضالع على موعد مع التاريخ، لتصوغ بدماء أبنائها وأشلاء شهدائها ملحمة جنوبية خالدة، شكلت بداية العد التنازلي لسقوط مشروع طهران في جزيرة العرب. لم يكن ذلك اليوم مجرد تاريخ عابر، بل منعطفًا استراتيجيًا غير مجرى الأحداث، وأعلن بوضوح أن الجنوب العربي - وفي طليعته الضالع - ليس أرضًا رخوة تستباح، ولا هوية تطمس؛ بل جدار الصد الأول في وجه كل المشاريع الدخيلة.
واجهت الضالع، تلك المدينة الثائرة، أشرس موجات الغزو الحوثي المدعوم إيرانيًا، لا بترسانة عسكرية متكافئة؛ بل بعقيدة قتالية متجذرة، وبسلاح الشرفاء الذين لا يملكون من العتاد إلا ما تحمله أيديهم من أسلحة شخصية، وما اغتنموه من عدوهم. لقد أدار أبناؤها معركة لم تكن تقليدية، بل كانت معركة وجود وهوية، بين مشروع شعب يتطلع للتحرر واستعادة دولته الجنوبية، ومشروع إمامي طائفي غريب يسعى لاجتياح الأرض وتغيير ثقافة الإنسان وأسس معتقداته.
في شوارع المدينة ووسط أزقتها، دوى صوت المقاومة إلى كل سهل وجبل، وانطلقت بنادق الثوار الجنوبيين تحمل رسالة واحدة: الجنوب لن يُحكم من صنعاء، ولن يخضع لمليشيات الموت والدمار... في تلك اللحظات الفارقة، تكسرت أسطورة "كتائب الموت وكتائب الرُزَمي" وغيرها من التشكيلات الحوثية الانتحارية، وارتفعت رايات الجنوب عالية على أنقاض الدبابات المشتعلة وجثث صرعى العدو، معلنة أن زمن الهزائم قد ولى، وأن الجنوب الجديد يولد من رحم النار.
كان تحرير مدينة الضالع نصرًا مجبولًا بالدماء والتضحيات، نصرًا لم يكن هبة من أحد، بل صنع بصدور عارية وقلوب مؤمنة بقضيتها، وأياد حفرت مجدها من بين الركام. لم ينتظر المقاومون الجنوبيون وقتها دعمًا خارجيًا؛ بل بادروا بالمواجهة قبل أن تعلن عاصفة الحزم، وشكلوا ملحمتهم بأنفسهم، وانتزعوا النصر من فم الموت، وجعلوا من الضالع أيقونة النهوض الجنوبي، ونقطة التحول التي استعادت فيها الأمة الجنوبية ثقتها بذاتها وقدرتها على المواجهة والانتصار.
ومن الضالع، انتقلت شعلة التحرير إلى باقي الجبهات؛ فاهتزت جدران صنعاء، وسقطت مواقع المليشيات كأحجار الدومينو في عدن، ولحج، وأبين، وشبوة، والمكلا بمشاركة دول التحالف العربي على رأسها دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية، الذين وقفوا إلى جانب الأبطال وقوف العرب الأقيال. لقد ألهمت الضالع روح النصر، وأعادت تعريف المعادلة العسكرية في اليمن، وفضحت هشاشة المشروع الإيراني الذي حاول أن يتلبس رداء القومية وهو لا يجيد إلا زرع الطائفية والفوضى والخراب.
إن من استشهدوا على تراب الضالع الطاهر في تلك الملحمة، لم يذهبوا عبثًا؛ بل رسموا بدمائهم خارطة الطريق نحو دولة جنوبية حرة ذات سيادة. وكان صمود الأمهات، وزغاريد النساء عند وداع الشهداء، ودموع الآباء التي انسكبت في صمت العز، كلها مشاهد اختزلت ملحمة شعب قرر ألا يموت إلا واقفًا... شعب جعل من الكفن شعارًا، ومن البندقية وسيلة، ومن التحرير هدفًا لا مساومة عليه.
وفي ذكرى تلك المعركة المفصلية، لا نستحضر فقط بطولات الماضي، بل نجدد العهد للأرواح التي ارتقت من الضالع ويافع وردفان وغيرها، ونعدها أننا على الدرب سائرون... لن نخون الدماء، ولن نفرط في التضحيات ، وسنظل نحمل راية الجنوب خفاقة، حتى تتحرر كل ذرة تراب من أرضه، وتقوم دولته العادلة، دولة المؤسسات والسيادة والشراكة والسلام.
من الضالع بدأت الحكاية، ومن الضالع سقط المشروع الفارسي إلى غير رجعة، ومن الضالع ينبثق فجر الجنوب الجديد... فجر الكرامة والحرية والاستقلال. هذا هو قدرنا، وهذه هي معركتنا، ومعنا الله، وشعب لا يعرف الانكسار.
#الذكرى_10_لتحرير_مدينة_الضالع