11 فبراير يوم الشهيد الجنوبي.. على دربهم ماضون
الشهيد ليس مجرد لقب أو صفة أو اسم نطلقه على أولئك الأبطال الذين تراق دماؤهم وتزهق أرواحهم في ساحات النضال الوطني الجنوبي أو في معارك الدفاع عن وطننا الجنوب، في مراحل تاريخية مختلفة ، بل هو ذاك الذي قدم أغلى ما يمكن أن يمتلكه الإنسان في حياته وهو الدم والروح.. وهل هناك أغلى من ذلك!
إن كلمة شهيد تختزل في مفهومها العام أنبل وأعظم القيم والصفات الإنسانية والوطنية التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان. إن كلمة الشهيد التي تُطلق على هذا النوع من الرجال الذين قد نجهل أسماءهم، لكننا بكل تأكيد ندرك مآثرهم وما قدموه من أجل أوطانهم وشعوبهم.
فالشهداء كانوا في حياتهم وسيظلون بعد رحيلهم أعظم وطنيي الجنوب على الإطلاق، إنهم رجال استثنائيون في واقعهم وزمنهم، سبقوا الآخرين بدرجات وعيهم المتقدم بمعاناة واحتياجات أوطانهم واستحقاقات شعبهم، و حملوا على كاهلهم مهامًا جسيمة في العمل الثوري التحرري، وفي حمل رايات النضال، لقد كانوا على الدوام في طليعة الفعل الاستثنائي وفي مقدمة الصفوف لإقتحام ساحات الوغى ودروب المخاطر التي لا يوجد فيها سوى بوابتين: بوابة النصر وبوابة الشهادة.
إنهم رمز وعنوان للشعوب الحية التي ترفض الضيم والقهر والاحتلال وتعشق الحرية، وهم على يقين تام بأن ثمن الحرية لشعبهم والتحرير لوطنهم، تضحية بأرواحهم ودمائهم بأثمان باهظة توازي ثمن الحرية ذاتها، يضاف إليها ثمن الأمن والاستقرار والتنمية.
عظمة الشهداء ومكانتهم لا تصنعها فقط أعمالهم وبطولاتهم الخارقة وشجاعتهم الاستثنائية ووعيهم الناضج وقيمهم النبيلة وأخلاقهم الحميدة ومكارم أخلاقهم الاستثنائية، بل تتجلى في أسمى معانيها من خلال تكريم الله لهم بقوله تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".
كذلك هي الأوطان والشعوب العظيمة تكرم وتبجل شهداءها وتخلدهم في تاريخ الأوطان وفي ذاكرة الأجيال بطرق شتى ومختلفة، تختلف باختلاف ثقافة الشعوب وعاداتها وتقاليدها وإرثها العسكري، حيث تُقام النُّصُب والمتاحف والواحات والساحات العامة، وتُطلق أسماؤهم على أهم الأحياء والمدارس والكليات والشوارع التي تخلد أسماءهم وبطولاتهم ونماذج حياتهم الفريدة وما قدموه لشعوبهم ،عند هذه النصب توجد شعلات الثورة وتُقام حولها الحراسات بالتقاليد العسكرية للبلد، وتتحول إلى مزارات لطلاب الروضة والمدارس ولكل قطاعات المجتمع، هذه المواقع والنصب الأثرية والتاريخية تجسد بطولات وتضحيات الشهداء، وبنفس القدر تجسد التاريخ والإرث العسكري والنضالي للشعب، وهي أيضًا تحمل دلالات للحاضر والمستقبل، حيث ترمز الشُّعلة لاستمرار وهج الثورة والنضال الذي خطه هؤلاء الشهداء وصنعوا انتصاراته وحققوا أهدافه بدمائهم وأرواحهم.
في 11 من فبراير من كل عام يحيي وطننا الجنوب وشعبنا الجنوبي ذكرى يوم الشهيد، الذي دخل التاريخ كرمز ومناسبة ومحطة تاريخية يُكرِّم ويبجِّل فيها الشعب تضحيات أبنائه عبر منعطفات التاريخ التحررية المختلفة، وترى أرواحهم تطل مجددًا على واقع حياتهم وحاضرهم كإنجازات شامخة وانتصارات خالدة وحقائق كانت بالنسبة لشهداء الأمس مجرد أحلام كبيرة قاتلوا من أجل تحقيقها، وتحولت في أجيال الحاضر والمستقبل إلى حقائق معاشة.
ونحن إذ نتذكر اليوم شهداءنا ونحتفي بهذه المناسبة بعزٍّ وشموخٍ وكبرياء تطال بسموها وشموخها وارتفاعها بطولات وتضحيات هؤلاء الشهداء، لا ننسى أيضًا أولئك الأبطال في الأمن والقوات المسلحة الجنوبية المرابطين في الثغور وفي خطوط المواجهة وفي مواقع الشرف والواجب المهني في امتداد جغرافية وطننا الجنوبي، حاملين أرواحهم على أكفهم وعلى أتم الجاهزية والاستعداد والقناعة والوعي الوطني، لتقديمها فداء لوطنهم وشعبهم في أي لحظة يحتم عليهم واجبهم المقدس تقديمها، إن كل بطل من هؤلاء الأبطال الميامين يحمل في داخله مشروع شهيد وطني جديد جديد، وهذه القناعة والوفاء الوطني والاستعداد الدائم للتضحية من أجل الوطن الجنوب جعل منهم مصدر قوة وصلابة وطننا وشعبنا، ودرعه في وجه المؤامرات والدسائس والغزوات وكل محاولات إعادة احتلال أو استعباد أو إذلال وطننا وشعبنا،إنهم أيضًا ذراع الوطن الجنوب الطولى وسيفه البتار لكل من يحاول المساس بسيادته وحرية شعبنا أو كسر إرادته وحرف مسار نضاله عن الأهداف التي خطها لنفسه.
تمجيدنا وتخليدنا لشهداء الأمس والاحتفاء بإنجازاتهم وانتصاراتهم هو أيضًا تكريم للأبطال في قواتنا المسلحة الجنوبية، الذين يذودون عن حياض الوطن في مختلف جبهات القتال، ويحمون أمننا واستقرارنا داخل الحواضر والمدن وريف وجبهات بلادنا وأجوائه ومياهه الإقليمية، ويقدمون خيرة أبناءهم بشكل يومي ليلتحقوا بقافلة الشهداء، إن هؤلاء الأبطال الميامين، باختلاف مواقع تواجدهم وطبيعة مهامهم، يواجهون المخاطر بإقدام وشجاعة، وسيظلون موضع رهان شعبنا ووطننا، وصمام أمان حاضره ومستقبله، وجسر العبور الذي به ومن خلاله يمر الوطن نحو المستقبل المنشود، شجاعتهم وسخاؤهم في التضحية دون مِنّة تلهمنا على المزيد من الثبات والصمود أمام كل الحروب التي يتعرض لها جنوبنا، ومحاولاتها اليائسة المتكررة في تركيع الشعب وإخضاعه وكسر إرادته، إن ثبات أبطال قواتنا المسلحة والتزامهم ومرابطتهم الدائمة في جبهات القتال اليوم، في ظل أقسى الظروف الطبيعية والمعيشية والخدمية وأشدها خطرًا، يذكرنا بمدى صلابتهم وأصالة معدنهم الوطني و وفائهم وإخلاصهم لشعبهم وواجبهم المهني ،إن هذه الأدوار الجليلة والمآثر اليومية تعزز ثقة وطننا وشعبنا بهم، وتلهمنا على التوحد في خندق الدفاع عن وطننا وتوحيد جهودنا ومواقفنا الوطنية لاستكمال إنجاز المهام والأهداف التي شرع في بنائها شهداؤنا، تضحياتكم ودماؤكم الزكية وأرواحكم الطاهرة تحمينا جميعًا، وتلهمنا وتعزز ثقتنا بالمزيد من النجاحات والانتصارات على مختلف جبهات النضال بالداخل والخارج.
إن احتفاءنا بيوم الشهيد الجنوبي هذا العام يتزامن مع وضع كارثي وأزمات مركبة يعيشها شعبنا، متزامنة ومتخادمة ومتكاملة مع تصاعد الأعمال العسكرية في خطوط التماس وجرائم إرهابية وسياسية واقتصادية، مما يكشف عن حجم المخاطر والتهديدات والمؤامرات الكبيرة التي يتعرض لها شعبنا ومشروعه الوطني الجنوبي.
إن تاريخنا الوطني وما قدمه شعبنا الجنوبي من تضحيات عبر مسيرته النضالية، وما صنعه من انتصارات وإنجازات في الماضي في الثورة التحررية الأولى، رغم ما تعرض له من مخاطر وتحديات وتهديدات خرج منها منتصرًا، هذه التجربة مثلت على الدوام مصدر إلهام لثورتنا المعاصرة، بشقيها الحراك السلمي الجنوبي والكفاح التحرري الثوري العسكري، وتحتم علينا في الوقت ذاته استلهام دروسها في استكمال مهمة البناء العسكري المعاصر، والعمل الدؤوب على تطوير وتعزيز الاقتدار الدفاعي الشامل لقواتنا المسلحة الجنوبية، التي استطاع شعبنا بناؤها وإعادة بنائها من الصفر خلال سنوات الحرب المنصرمة.
إن حرية الأوطان وإعادة بنائها ونهضتها لا تتحقق بالأمنيات ولا تُهدى من أحد، بل تصنعها الشعوب بقدرتها واستعدادها على التضحية، وهذه الصفة تفرد بها شعبنا الجنوبي أكثر من غيره في الماضي والحاضر وفي المستقبل أيضًا.
الرحمة والمغفرة لشهدائنا الأبرار، النصر لشعبنا، والخلود لوطننا الجنوبي..