مشاهد تاريخية من 72 ساعة نوفمبرية
- أوركسترا حاملة الطائرات "إيجل" تعزف لحن الرحيل المُر لآخر مندوب سامي
- ووسط احتفالات وهتافات شعب الجنوب، قائد الثورة قحطان الشعبي يقرأ بيان الاستقلال
تقرير - درع الجنوب
في 28 نوفمبر، وقف همفري تريفليان، آخر مندوب سامي بريطاني في عدن، على سُلّم الطائرة التي ستقله إلى إنجلترا. ظل لبرهة وهو يطالع بعينيه الغائرتين بمشاعر الهزيمة شمس عدن وهي تنحدر نحو مغيبها. ربما حدّث نفسه أنها المغيب الأبدي بالنسبة لإنجلترا، وأن المملكة التي لا تغيب عنها الشمس لم تعد كذلك، أما عدن وكل الجنوب فحتماً في صباح اليوم التالي ستشرق سماؤه بشمس حرية واستقلال. حدث هذا بينما أخذت أوركسترا حاملة الطائرات "إيجل" تعزف لحن "أن الأمور تسير ليس كما في السابق"، وهو لحن غير تقليدي، ولكنه ملائم تمامًا لهذه اللحظة، حيث إن الأمور سارت بالاتجاه الذي تنطلق منه نيران ثورة الرابع عشر من أكتوبر، وأوصلت قوات جيش الإمبراطورية الاستعمارية التي لا تغيب عنها الشمس إلى أضيق حيز من وجودها الذي دام 129 عاماً، وتحديداً إلى قواعد الرحيل وسلالم العودة بسلام.
بين 28 و29 و30 من نوفمبر 1967م، قرأ العالم ما صاغته دماء شعبنا الجنوبي، وأيقن وهو يرى نهاية أعظم إمبراطورية استعمارية في ذلك الوقت، والتي دامت لأكثر من 129 عاماً، أن لإرادة الشعوب الحرة معجزات تصنع المستحيل في نضال شاق وطويل، وفي ثورة مجيدة استحقت التصنيف ضمن أعظم ثورات التحرر الوطني، وتأتي بعد الثورة الجزائرية، سواء في أهدافها ومبادئها وقواها المحرِّرة ووسائلها وأدواتها النضالية، وفي نتائجها على الصعيد الوطني الجنوبي من خلال نجاحها في إحداث تغيير مفصلي في حياة شعب الجنوب وفي الجنوب ذاته كجغرافيا ودولة، عوضاً عن أثرها على الصعيد القومي العربي، حيث تزامن انتصارها المؤزر في 30 نوفمبر 1967م، في وقت كانت الأمة العربية بحاجة إلى حدث ونصر عروبي يستنهض همم الأمة عقب نكسة حزيران يونيو 1967م.
في الساعة 15:00 بالتوقيت المحلي للعاصمة عدن، من يوم 29 نوفمبر 1967م، دخل المقدم داي مورغان، الذي شاء حظه أن يكون آخر عسكري بريطاني في الجنوب، الصعود على متن آخر طائرة بريطانية في خور مكسر. ومنذ هذه اللحظة وحتى منتصف الليل كان الوجود البريطاني في الجنوب، في سفينة حربية اسمها "البيون" كانت لا تزال موجودة في المياه الإقليمية للجنوب. وبعد منتصف الليل ارتفع في العاصمة عدن وعلى السارية التي كان فيها العلم البريطاني علم الاستقلال، علم دولة الجنوب.
وفي نفس هذا اليوم، عاد وفد الجبهة القومية لتحرير الجنوب بقيادة قحطان محمد الشعبي إلى العاصمة عدن على طائرة مستأجرة خصيصاً، بعد أن خاض معركة دبلوماسية في مفاوضات جنيف محققاً نجاحات لا تقل أهمية عن النجاحات العسكرية التي مثلت محور الأساس في تحقيق الاستقلال.
عمت الاحتفالات شوارع وأحياء العاصمة عدن وكل مدن الجنوب وأريافها، في المهرجان الجماهيري الضخم الذي أقيم في عدن في مساء يوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967، ووسط هتافات شقّت عنان السماء، وقف الرئيس والقائد البطل قحطان الشعبي ليُلقي على عشرات الآلاف من أبناء الشعب الجنوبي ومئات من العاملين في الصحافة الأجنبية الذين قدموا إلى العاصمة عدن لتغطية حدث الاستقلال الوطني للجنوب، بيان إعلان الاستقلال رسمياً.