قراءة تحليلية في خطاب الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي أمام مجلس الأمن: أبعاد وتداعيات القضية الجنوبية

تقرير فؤاد جباري

 

  لاشك أن خطاب الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي أمام مجلس الأمن يُعد حدثًا سياسيًا وتاريخيًا بارزًا لشعب الجنوب وقضيته العادلة، حيث حمل في طياته رسائل قوية وواضحة تتعلق بإعادة تأكيد الحق الجنوبي في فك الارتباط مع الشمال واستعادة الدولة الجنوبية. هذا الخطاب تناول بشكل متكامل البعدين السياسي والتاريخي للقضية الجنوبية، وسلط الضوء على دور المجتمع الدولي في حل النزاع في اليمن بشكل عام، إذ أشار إلى ضرورة اتخاذ إجراءات جادة لتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين. يمكن قراءة هذه الكلمة من عدة زوايا تحليلية، وسأستعرض فيما يلي أهم أبعادها:

1- البعد السياسي:

   الكلمة تؤكد على ضرورة وجود "إرادة سياسية دولية" لحل الصراع في اليمن بشكل عام، وهو أحد الرسائل الجوهرية التي تستهدف إيقاظ المجتمع الدولي لمواجهة تهديدات الحوثيين والإرهاب بشكل عام. الرئيس الزُبيدي يسلط الضوء على أن استمرار الصراع هو نتيجة مباشرة لغياب الإرادة السياسية لمجلس الأمن، وهذا يشير إلى رغبة جنوبية في دفع الدول الكبرى ومجلس الأمن إلى اتخاذ خطوات ملموسة وجادة، بعيدًا عن التراخي السياسي الذي استمر لسنوات.

   الخطاب أيضًا يعيد التأكيد على دعم مجلس القيادة الرئاسي، الذي يمثل الحكومة الشرعية، لكنه يطالب بإجراء "إصلاحات عميقة" لمواجهة التحديات الحوثية (وهو مدخل روتيني يندرج في إطار الخطاي الدبلوماسي)، لكنه من ناحية أخرى، يشير الزُبيدي إلى ضرورة تمكين الجنوب من المشاركة في الحل السياسي، ويشدد على الالتزام بالاتفاقات التي أُبرمت في مشاورات مجلس التعاون الخليجي 2022 في الرياض، والتي تضمنت "وضع إطار تفاوضي خاص بالقضية الجنوبية".

2- البعد التاريخي:

   يُعتبر خطاب الرئيس الزُبيدي أمام مجلس الأمن حدثًا ذا أهمية تاريخية لأنه يعيد وضع "القضية الجنوبية" على المسرح الدولي في أعلى مستوى، مما يعني اعترافًا دوليًا ضمنيًا بحق الجنوب في المطالبة بفك الارتباط واستعادة دولته المستقلة، واستخدام الزُبيدي لعبارات مثل "مصلحة شعبنا" و"قضية شعب الجنوب" تأتي في سياق الدفع نحو إعادة التأكيد على أن وحدة اليمن فشلت، وأن الحل الجذري يكمن في إعادة الجنوب إلى دولته المستقلة.

   الزُبيدي هنا لا يتحدث عن جنوب اليمن كجزء من اليمن الواحد، بل يتحدث عن الجنوب ككيان مستقل بمطالب واضحة، وهذه إشارة مهمة لأن الخطاب بهذا الأسلوب يعزز هوية الجنوب ومطالبه المشروعة باستعادة دولته أمام العالم.

3- أهمية الخطاب لشعب الجنوب:

   تمثل الكلمة فرصة هامة لشعب الجنوب لتحقيق تطلعاته، حيث استطاع الرئيس الزُبيدي نقل معاناتهم إلى أعلى منبر دولي، مقدمًا صورة شاملة عن الظلم والتهميش الذي تعرضوا له على مدى سنوات طويلة، إذ يعيد الخطاب التأكيد على أن الجنوب كان ضحية تهميش ممنهج، سواء قبل أو بعد بدء الصراع الحالي، ما يجعله طرفًا أساسيًا في أي تسوية سياسية قادمة. علاوة على ذلك، تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية في الجنوب، خاصةً في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، يُعزز من قوة الموقف الجنوبي ويؤكد على ضرورة إيجاد حلول سريعة وجذرية.

4- أهمية الرسائل الموجهة للمجتمع الدولي:

   الرئيس الزُبيدي يُقدم في خطابه رسائل واضحة للمجتمع الدولي حول "التداعيات الأمنية والاقتصادية" للصراع اليمني، مشيرًا إلى التهديدات التي يمثلها الحوثيون على الأمن البحري والتجارة الدولية في البحر الأحمر. هذا الجانب من الخطاب يعكس صورة الجنوب كشريك يمكن الاعتماد عليه في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي. الزُبيدي هنا يلفت الانتباه إلى أن استمرار تجاهل القضية الجنوبية وتأخير الحلول يعني استمرار زعزعة الاستقرار في المنطقة، ما يعزز الحاجة إلى معالجة القضية الجنوبية بجدية على الساحة الدولية.

5- تأثير الخطاب على مسار القضية الجنوبية:

   تُعد هذه الكلمة دفعة قوية لقضية الجنوب على الساحة الدولية، حيث وضعت الجنوب في مقدمة الأجندة السياسية الدولية فيما يخص الصراع في اليمن. التذكير بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في "مشاورات مجلس التعاون الخليجي 2022" يمنح الجنوب ورقة تفاوضية قوية، حيث يشير هذا الاتفاق إلى اعتراف ضمني بالقضية الجنوبية كقضية تحتاج إلى حل منفصل. من خلال هذه الكلمة، يوجه الرئيس الزُبيدي رسالة مفادها أن القضية الجنوبية ليست مجرد مسألة محلية، بل قضية ذات أبعاد إقليمية ودولية.

6- التأثير على الوحدة اليمنية:

   الرئيس عيدروس الزُبيدي يُظهر في خطابه أن الوحدة اليمنية لم تعد حلاً مقبولاً للشعب الجنوبي. استخدامه لعبارات مثل "مصلحة شعبنا" و"قضية شعب الجنوب" -كما أشرت فيما سبق- توحي بشكل واضح بأن الجنوب لم يعد يرى الوحدة حلاً مستدامًا. بل، يقدم الزُبيدي الجنوب ككيان له حقوقه وتطلعاته التي تم تهميشها لعقود طويلة، ومن ثم، فإن فك الارتباط مع الشمال لم يعد مجرد مطلب سياسي للجنوبيين، بل هو ضرورة ملحة لتحقيق الاستقرار.

   الكلمة تسلط الضوء على أن الوحدة اليمنية فشلت في تحقيق تطلعات الجنوبيين بل كانت سبب في معاناتهم وظلمهم وإذلالهم. بدلًا من ذلك، فإن هذه الوحدة أدت إلى صراعات طويلة الأمد وإلى تهميش الشعب الجنوبي، وبالتالي، الحل الأمثل هو إنهاء هذه الوحدة بشكل رسمي، والاستماع لصوت شعب الجنوب المطالب باستعادة دولته بكامل سيادتها.

7- التكتيك الدبلوماسي:

  الخطاب كان ذكيًا من الناحية الدبلوماسية، حيث لم يعرض الزُبيدي الجنوب كرافض للوحدة فقط، بل عرض رؤية متكاملة لـ "حل الصراع اليمني ككل". هذه الاستراتيجية تضيف مصداقية لموقف الجنوب، حيث يُظهر الجنوبيون أنفسهم كطرف قادر على المساهمة في الحلول، وليس فقط المطالبة بايجاد حلول خاصة بهم، وهذا يعني أن المجتمع الدولي قد ينظر إلى الجنوب كشريك مستقبلي موثوق به، خاصة في ظل تزايد التهديدات الحوثية للأمن الإقليمي والدولي. فالتركيز على التهديدات الأمنية مثل الهجمات على البحر الأحمر والتجارة الدولية، يعزز من دور الجنوب كجزء من الحل الأمني والاستراتيجي للمنطقة، ما قد يدفع دولًا رئيسية في مجلس الأمن إلى تبني هذا الموقف.

8- مستقبل الجنوب في إطار الحلول الدولية:

 الرئيس الزُبيدي قدم رؤية شاملة لحل الصراع تتضمن كافة الفئات المجتمعية، مما يُظهر أن الجنوب ليس فقط يسعى للاستقلال، بل أيضًا يطمح إلى بناء دولة حديثة ومتقدمة. هذه الرؤية المتوازنة تُشير إلى أن الجنوب لا يسعى إلى حل قصير الأمد فقط، بل إلى بناء دولة عادلة ومستدامة تلبي طموحات شعبها.

   في هذا السياق، يظهر الجنوب كمشروع دولة حديثة تتماشى مع الرؤية الدولية للسلام والتنمية، مما يزيد من فرص دعمه دوليًا، خاصة من قبل المنظمات الدولية والدول الكبرى التي تهتم بتحقيق الاستقرار في المنطقة.

9- خلاصة تحليلية:

   خطاب الرئيس عيدروس الزُبيدي أمام مجلس الأمن ليس مجرد خطاب اعتيادي، بل هو (نقطة تحول استراتيجية) في مسار القضية الجنوبية. الكلمة تنقل مطالب الجنوب السياسية المتمثلة باستعادة دولته إلى مستوى دولي أعلى، وتقدم رؤية شاملة لحل الصراع تتجاوز مجرد إنهاء الحرب، لتشمل بناء دولة جديدة في الجنوب تساهم في الاستقرار الإقليمي والدولي.

   من خلال هذا الخطاب، يسعى الرئيس الزُبيدي إلى كسب تأييد المجتمع الدولي ودعمه لأحقية شعب الجنوب في استعادة دولته المستقلة. كما يضع الرئيس الزُبيدي المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في إنهاء الصراع ومنع استبداد الحوثيين. في النهاية، هذا الخطاب يعزز من مكانة الجنوب كجزء أساسي من الحل، وليس كطرف هامشي، ويفتح الباب أمام إمكانية تحقيق (الاعتراف الدولي الكامل بالقضية الجنوبية) وفك الارتباط مع الشمال.