سقوط العواصم بين الإشاعة الإعلامية والمواجهة العسكرية.. دور الحرب النفسية والإعلاميين في تشكيل مجريات النزاعات

العميد ركن أحمد قاسم طماح

 

تُعد الحروب والنزاعات المسلحة ساحة واسعة لاستخدام القوة العسكرية، لكنها أيضاً ساحة لا تقل أهمية عن الإشاعة الإعلامية والحرب النفسية.

على مر التاريخ كانت الاشاعه سلاحاً نفسياً استخدمته الدول والجيوش لزعزعة استقرار خصومها وغالباً ما لعبت دوراً محورياً في تحقيق النصر دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية حاسمة.

الإشاعات الإعلامية التي ينشرها العدو بين السكان وبين القوات العسكرية المدافعة عن المدن هي كما يلي:

1- بث الفوضى والهلع
يمكن للإشاعات أن تثير الذعر بين السكان والقوات المدافعة، مما يؤدي إلى انهيار معنوياتهم. عندما تنتشر أخبار غير مؤكدة حول تقدم العدو أو سقوط مواقع مهمة، قد يتسبب ذلك في فقدان السيطرة والانهيار السريع للدفاعات.

2- تحطيم الروح المعنوية:
الإشاعات السلبية قد تؤدي إلى تقويض الثقة بين القيادة والجنود وبين القيادة والشعب. عندما يعتقد الجنود أن العاصمة على وشك السقوط أو أن القادة قد استسلموا، قد يفقدون الرغبة في القتال.

3- تشتيت الانتباه: 
يمكن للإشاعات أن تصرف الانتباه عن القضايا الحقيقية أو الخطط العسكرية، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو تأخير في الرد على التهديدات الحقيقية.

4- إضعاف التعاون والتنسيق:
في حال انتشار إشاعات حول خيانة أو انقسامات داخلية، قد يؤدي ذلك إلى تدهور التعاون بين القوات المتحالفة أو بين المؤسسات الحكومية، مما يسهل على العدو تحقيق أهدافه.

5- تشويه الصورة الدولية: 
الإعلام الدولي قد يلتقط هذه الإشاعات وينشرها على نطاق واسع، مما يساهم في عزل العاصمة أو الدولة على الصعيد الدولي، ويؤدي إلى فقدان الدعم الخارجي.

6. خلق بيئة من الشك وعدم اليقين
عندما تتعدد الإشاعات، يصبح من الصعب على الجميع التمييز بين الحقيقة والخيال، مما يؤدي إلى قرارات غير مدروسة وارتباك عام.

الحالات التاريخية الدالة على ذلك حتى وإن لم تكن تلك العواصم قد هزمت عسكريا بعد:

1- بغداد عام 2003م


أحد أبرز الأمثلة على سقوط عاصمة بالإشاعة الإعلامية هو بغداد خلال الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. كانت الحرب النفسية جزءًا أساسياً من الإستراتيجية العسكرية الأمريكية، حيث تم توجيه الرسائل الإعلامية إلى الجنود العراقيين والمواطنين على حد سواء عبر وسائل متعددة، بما في ذلك البث الإذاعي والتلفزيوني والمنشورات.


لعبت هذه الرسائل على مشاعر الخوف والإحباط، مما أدى إلى انهيار الروح المعنوية لدى الجيش العراقي وقوات الحرس الجمهوري، مما سهل دخول القوات الأمريكية إلى بغداد دون مقاومة كبيرة.

2- برلين عام 1945م
في أواخر الحرب العالمية الثانية، ومع اقتراب قوات الحلفاء من برلين، كانت هناك حملة ضخمة من الشائعات و الإشاعات حول استسلام قريب للمدينة، هذه الحملة لم تكن مجرد إشاعات عابرة، بل كانت جزءاً من إستراتيجية نفسية تهدف إلى كسر عزيمة القوات الألمانية وشعب برلين.

على الرغم من أن برلين سقطت في النهاية بالهجوم العسكري للجيش الأحمر، إلا أن الشائعات حول انهيار الجبهة الألمانية واستسلام وشيك ساهمت بشكل كبير في تسريع الانهيار
لمواجهة هذه التهديدات، لذلك فمن الضروري أن تكون هناك قنوات إعلامية موثوقة ورسمية تتواصل بشكل مستمر مع الجمهور، وتدحض الشائعات بسرعة وتوفر معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب.

ختاماً يتضح من هذه الأمثلة أن الإعلام والحرب النفسية يمكن أن يكون لهما تأثير كبير على مجريات الحروب وسقوط العواصم، أحيانًا أكثر من القوة العسكرية نفسها.

وفي هذا السياق، يلعب الإعلاميون الحربيون دورًا محوريًا في نقل الحقيقة أو توجيه الشائعات، مما يساهم في تشكيل مسار الأحداث وتاريخها.