قراءة في نتائج الدور والدعم المصري .. ما أنجزته عدن وما إقترفته صنعاء
ترتبط الحركات والثورات التحررية العربية من الاستعمار الأجنبي بدولة مصر العربية، فبدون الدور والدعم المصري بمختلف أشكاله ما كان لهذه الثورات ان تنجح وتحقق أهدافها وترى شعوبها شمس الحرية وفجر الخلاص والتحرير .
ويمكننا القول ان اكثر الثورات التحررية العربية تحقيقا لأهدافها ونجاحها في إحداث الفارق بين زمن الإستعمار وزمن ما بعد التحرير والاستقلال في حياة شعبها هي التي جذرت الدور والدعم المصري في وجدان وضمير شعوبها ، وقبل هذا وذاك حافظت على ذلكم الجميل وجعلت المساس به تعديا على ثوابتها واهدافها، ولعل ثورة 14 أكتوبر الضافرة التي انجز بها شعب الجنوب الإستقلال الاول من الاستعمار البريطاني واحدة من هذه الثورات التحررية التي لا ينفك تاريخها وما صنعته من أمجاد عن الجمهورية العربية المصرية صانعة المجد العربي وحاملة رايته التحررية وقتذاك ، هذا الارتباط، او الربط الذي يحرص على توثيقه المؤرخ والسياسي الجنوبي وحتى عامة الناس إنصافا لمصر واعترافا وعرفانا لدورها ، لا نجده في الشمال رغم ان الدعم المصري كان لما تسمى بثورة سبتمبر اليمنية أضعاف مضاعفة مقارنة بالدعم الذي قُدم لثورة اكتوبر في الجنوب والتي قهرت أكبر امبراطورية استعمارية وقتذاك .
مصر العظيمة عمدت على دعم حركات التحرر وعلى ضوء نجاح تجربتها في دعم ثورة الجزائر ، قررت دعم ثورة في الشمال على النظام الملكي الكهنوتي ، وقررت في الوقت نفسه دعم ثورة اكتوبر في الجنوب ضد الإستعمار البريطاني، كان الدعم للشمال في بداية الامر قد بني على تقارير غير واقعية من قبل قوى نفوذ مزدوجة وضباط أيضاً كالمشير السلال وعلي عبدالمغني ، حيث تم إرسال ثلاث طائرات حربية وفرقة صاعقة وسرية من مائة جندي، لاعتقاد القاهرة أن مهمة تثبيت النظام الجديد ستكون سهلة على اساس ان كل الشخصيات التي ظهرت في واجهته جمهورية فعلا ، لكن كان الوضع مختلف ومتغطي بغير حقيقته، وقد تكرر بالصورة ذاتها مع دول التحالف العربي في 2015م .
من داخل الصف الجمهوري والقوى الضاغطة وعلى راسها جماعة الإخوان بقيادة الشيخ الأحمر تضافرت تعقيدات المهمة المصرية ، إذ تفرغت صنعاء للمؤامرة على الجيش المصري ، ليرتفع عدد الجنود المصريين تدريجياً حتى يصل في نهاية عام 1965 إلى نحو 55 ألف جندي، موزعين على 13 لواء مشاة، ومسنودين بفرقة مدفعية، وفرقة دبابات وتشكيلات من قوات الصاعقة والمظلات.
كانت قوات الجيش المصري تخوض قتالا ببسالة وملتزمة بإكمال اهداف وجودها بطلب من النظام اليمني الجديد الذي تحور الى اجزاء تقايض وتفاوض الاماميين على حساب سلامة القوات المصرية ، لتكون النتيجة ذلكم التاريخ الاسود لذات الثورة والجهورية الوليدة من رحم الكهنوت الى حضن دولة القبيلة وجمهورية الإمامة الزيدية .
ولموارات ذات التاريخ الأسود الذي لم يمحى اثره بعد من وجه وتاريخ قوى صنعاء ، يلجأ المؤرخون والسياسيون اليمنيون الى تسويق مغالطات تاريخية تحميل الجيش المصري تبعات خيانتهم لثورتهم وغدرهم بالقوة العربية المصرية التي قدمت لمساندتهم ، وهذا الاسلوب الوقح بفجاجة نراه اليوم يتكرر مع دول التحالف العربي والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة ، كما ان قفزهم للتطفل على نضالات شعب الجنوب وثورة اكتوبر المجيدة كان ومازال جزء من محاولات هروبهم من سوء سمعة تاريخ ثورتهم التي هي في حقيقة الامر ووفقا لنتائجها وتبعاتها حركة تغيير من الملكية الامامية الكهنوتية الى جمهورية عكفة شيخ الجمهورية .
يتذكر الجنوبيون بإمتنان كبير الدعم المصري لثورة ابائهم واجدادهم التي اليوم يذودون عن اهدافها من محتل متخلف
ويستطيع أي مؤرخ أو حتى قارئ للتاريخ أن يستنتج " أن ثورة ١٤ أكتوبر ١٩٦٣ في الجنوب العربي التي قادتها الجبهة القومية كانت من أعظم الثورات العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين وتأتي بعد الثورة الجزائرية…اكان ذلك لجهة أهداف ومباديء الثورة وقواها المحركة ووسائلها وأدواتها النضالية …ام بنتائج تلك الثورة التي غيرت مجرى حياة المجتمع الجنوبي" ، وقد كانت العوامل الموضعية والذاتية التي ساعدت على قيام هذه الثورة وانتصارها نضوج الحالة الثورية الجماهيرية وثورة ٢٣ يوليو ومصر عبدالناصر الذي اتخذ من تواجده العسكري والسياسي في اليمن "الشمال" للدفاع عن ثورة ٢٦ سبتمبر فرصة لدعم ثورة ١٤ اكتوبر في الجنوب العربي سياسيا وعسكريا ولوجستيا، وهنا تجدر الإشارة الى محاولات قوى صنعاء إختراق الضباط المصريين واستخدامهم كوسائل لشق الصف الثوري الجنوبي ، وكان الهدف مزدوجا اذكاء الصراعات البينية في صفوف ثورة أكتوبر والحيلولة دون نجاح الدور المصري في الجنوب ، واذا نظرنا الى واقع اليوم نجد ان ذلكم النهج الذي دأبت عليه قوى صنعاء مازال في حالة إستمرارية مع دول التحالف العربي وتوجهاتها وجهودها الرامية الى تطبيع الاوضاع والنهوض بالواقع الخدمي في الجنوب المحرر وتقديم نموذج محفز لليمنيين الذين مازالت محافظاتهم تحت سيطرة المليشيات الحوثية المدعومة من إيران ..
إن الجنوب الذي خاطبه الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر بذات المسمى دون يمننة " الجنوب " فقط ، في خطاب القاه من محافظة تعز اليمنية منتصف ستينيات القرن الماضي وقبل ان يتكلل الدعم المصري لثوار ثورة اكتوبر المجيدة بالاستقلال الناجز، كان في ثورته ووتعاطيه مع الموقف المصري اثناء الثورة وبعدها وحتى اليوم على النقيض من الشمال حيث الثورة التي كل ما فعلته هو قتل الالاف من الجيش المصري وبطريقة الغدر والخيانة .