العسكريون الجنوبيون ورهان الإخوان الخاسر
تقرير لـ درع الجنوب: منصور السومحي
عقب اجتياح الجنوب في صيف 1994م، وتمكن قوات الجمهورية العربية اليمنية الغازية من السيطرة على العاصمة عدن وكافة محافظات دولة الجنوب، عمد نظام صنعاء وقواه القبلية والدينية والعسكرية على نهب وتمدير مقومات الدولة في الجنوب من مؤسسات ومصانع وشركات ومرافق حكومية بشكل ممنهج، وتسريح وابعاد عشرات الالاف من موظفي القطاع العام مدنيين وعسكريين عن الخدمة واحالتهم للتقاعد قسرا فيما كان يُعرف بـ(خليك في البيت)، وحرمانهم من مرتباتهم وسنوات خدمتهم الطويلة إبان دولة الجنوب.
وبعنجهية المنتصر نفذ نظام الهالك علي عبد الله صالح، المئات من عمليات التصفية والاغتيالات والاخفاء القسري بحق الكوادر والكفاءات الجنوبية المدنية والعسكرية، طوال سيطرته على الجنوب، الذين تخرجوا من أرقى الاكاديميات والجامعات في الخارج على نفقة الدولة آنذاك، في حين أصبح في عهد الاحتلال اليمني الطيار سائق تاكسي، والعميد معلم بناء، والدكتور بائع متجول.
نار تحت الرماد
رفضَ الجنوبيين ما آلت إليه الأوضاع بعد حرب 1994م، وتجسد بظهور عدد من الحركات السياسية والعسكرية في ذلك الحين، منها تأسيس حركة تقرير المصير لشعب الجنوب العربي “ حتم“ في عام 1996م بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي حيث بدأت الحركة نشاطها بشكل سري من خلال الكفاح المسلح في بعض مناطق ومدن الجنوب التي كانت منطلقاً لعملياتها خصوصاً في الفترة 1997-1998م وفي عام 1997م حكم نظام الاحتلال اليمني عليه بالإعدام غيابيّاً مع عدد من زملائه.
كما ظهرت الجبهة الوطنية للمعارضة الجنوبية "موج" حيث كانت من أولى الحركات الجنوبية التي أنشئت في الخارج في أعقاب الحرب مباشرة، وطالبت في حينها بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الوحدة، ، الى جانب بروز عدد من الحركات الجنوبية الأخرى.
وتجرع الجنوبيون أقسى صنوف القهر والاذلال، والمعاناة لسنوات عديدة، من قبل نظام الاحتلال اليمني الذي لا يعلم أن تحت الرماد وميض نار، ويوشك أن يكون لـه ضـرام، فإنّ النار بالعـودين تُذكـى، وإن الحرب مبـدؤها كــلام، فإن لم يطفئوها عقلاء قوم، يكون وقودها جثث وهام.
وبالفعل لم يستقر الحال مثل ما أراد نظام الاحتلال اليمني، ولم يستمر صمت الجنوبيين فقد وصل بهم الذل، وفاقت بهم المعاناة حد لا يطاق، وتداعا العسكريين من كل محافظات الجنوب، وعمدوا على تشكيل كيان جامع يعبر عن حالهم، والمطالبة بحقوقهم المسلوبة، التي كفلتها لهم كافة المواثيق والقوانين الدولية، وتشكلت جمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين انطلاقا من مدينة الضالع في 24 مارس 2006م كأول نواة للعمل السياسي والعسكري الجنوبي، ودُشنت رسمياً في 24 مارس 2007م.
وبعد نجاح الاعتصام الأول في 2006م، جرى التحضير ليوم 7 يوليو 2007م الذي يصادف الذكرى الـ 13 لاجتياح الجنوب واحتلاله من قبل نظام صنعاء، وارتأت الجمعية تحويل هذا اليوم الأسود في ذاكرة الجنوبيين إلى محطة انطلاقة رسمية نحو كسر حاجز الخوف، والخروج لميادين النضال والكرامة، حيث كان يوماً فاصلاً نظراً لكثافة الجماهير التي شاركت في الاعتصام بساحة العروض بخورمكسر، فضلاُ عن خروج المتقاعدين العسكريين بزيهم العسكري للمرة الأولى عقب الاجتياح، ومع تحول التظاهرات إلى أسبوعية، وجد نظام صنعاء نفسه أخيراً مضطر للتجاوب مع مطالب المتقاعدين وعمل على محاولة احتواء هذه التحركات بحلول مجزأة، ولكن في وقت قد انطلق الحراك الجنوبي السلمي المطالب بالحرية والاستقلال واستعادة دولة الجنوب.
حقيقة قد فعلها العسكريين الجنوبيين بعزيمتهم التي لم تلين، فقد استطاعوا تحويل اليوم الأسود الى انطلاقة شرارة ثورة عارمة تصدح بالحرية والعزة والكرامة على أرض الجنوب، فضلاً عن اتخاذهم قرار احياء المناسبات الوطنية الجنوبية وعدم السماح لنظام صنعاء المحتل بطمس هذه المناسبات؛ وقدم الجنوبيين قوافل من الشهداء والجرحى والأسرى في سبيل نيل الحرية والاستقلال، حتى اندلاع حرب 2015م بين قوى صنعاء المحتلة، فقد كانت بمثابة فرصة إلهيه للجنوبيين، وبالفعل تم توسعة نشاط المقاومة الجنوبية التي هي امتداداً لحركة حتم بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي في الجنوب وتم من خلالها اعادة بناء الجيش الجنوبي وفتح معسكرات للتدريب والتأهيل ورفد الجبهات بالمقاتلين وتقدم قادة وضباط القوات المسلحة الجنوبية وبمشاركة جميع أبناء الجنوب معارك تطهير الجنوب من المحتلين والغزاة الجدد مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، وبدعم الأشقاء في التحالف العربي تمكنت المقاومة الجنوبية من تحرير العاصمة عدن ومحافظات الجنوب في ظرف قياسي، عقب هروب حكومة الشرعية اليمنية إلى فنادق الرياض، تاركة الشعب في الجنوب واليمن يواجه مصيره.
حرب الخدمات والمرتبات
وبعد أن حرر الجنوبيون أراضيهم على حدود ما قبل 22 مايو 1990م؛ عادت الحكومة اليمنية المهاجرة بعباءة الشرعية المسيطر على قرارها جماعة الاخوان المسلمين الإرهابية إلى العاصمة عدن، بعد أن أعادوا لهم كرامتهم دون سواهم، ويبدأ معها فصل من فصول حرب الخدمات وقطع المرتبات الذي يسد رمق أسر عشرات الالاف من العسكريين والمدنيين الجنوبيين من الجوع.
حرمان الجنوبيين من مرتباتهم تكمن خلفه أسباب سياسية بحته وتتصل بسياسة العقاب الجماعي على الجنوب والجنوبيين جميعا مدنيين وعسكريين، ولا علاقة له بالعجز المالي، حيث تدفع الحكومة المهاجرة الملايين شهرياً، وبالعملة الصعبة لوزرائها ووكلائها، وسفرائها، وملحقياتها الدبلوماسية، والبرلمانيون، وجيوش الإعلاميين في الداخل والخارج، كل ذلك لا يعبر عن عجز مالي، ولا يشفع لها قطع المرتبات المرصودة أصلاً في موازنة الدولة وبالعملة المحلية.
ناهيك عن النفقات اليومية ورحلات الترفيه والاستجمام في دول الإقليم والعالم، وتنامي أرصدتهم في الخارج، وامتلاك العقارات والتوسع في الاستثمارات، وفي الطرف المقابل يعاني الجنوبيين من العوز والجوع والفقر جراء غلاء الأسعار، وفقدان العملة لقيمتها الشرائية، وما كل ذلك إلا جزء من الحرب المعلنة في 1994م، واستمرارا لها بحروب الخدمات والتجويع والإرهاب.
تصاعد الاحتجاجات
وجاءت عودة الاعتصامات للعسكريين الجنوبيين عقب مرور 21 عاما من اندلاع أول شرارة لاحتجاجاتهم فيما عرف بجمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين، لتبلغ ذروتها في يوليو من عام 2007م، وبعد حرب 2015م ومع عودة الحكومة، لم تلبث شرعية الفساد إلا ومارست سياسة حرب التجويع والخدمات وقطع المرتبات، حيث سرعان ما تداعى العسكريين الجنوبيين وعملوا على تشكيل الهيئة العسكرية العليا للجيش والأمن الجنوبي في 31 أغسطس 2016م، والتي هي امتداد لدور جمعية المتقاعدين العسكريين الرائدة في تبني مظالم منتسبي القوات المسلحة الجنوبية.
واستمرت الهيئة العسكرية العليا في نضالها طوال 5 سنوات ونصف منذ تأسيسها من لقاءات، وفعاليات، وعشرات الوقفات، والمسيرات، والاعتصامات الاحتجاجية أمام مقرات الرئاسة والحكومة ومقر قيادة قوات التحالف الذي أستمرت 155 يوماُ، ومقرات الأمم المتحدة، بغية صرف جميع المرتبات المنقطعة والمتراكمة منذ اعوام 2016، 2017، 2021، 2022م، والتي بلغ جملة الرواتب المتأخرة فيها لـ 18 شهر، بالإضافة لعدم تنفيذ قرارات الرئيس هادي بالتسويات للمسرحين والمبعدين والمتقاعدين، ومع استمرار المعاناة والشعب على أعتاب قدوم شهر رمضان المبارك تتعنت الحكومة المهاجرة، منزوعة الضمير والمسؤولية التي تناصب العداء لكل ما هو جنوبي بعدم صرف المترتبات، غير عابئة بأحوال الجنوبيين عسكريين ومدنيين الذين يعانون الأمرّين.
العميد الركن صالح محسن القاضي نائب رئيس الهيئة العليا للجيش والأمن الجنوبي يقول: عانينا الويلات من سلب وطرد ونهب حقوقنا من الحكومات المتعاقبة منذ الوحدة المشؤومة في عام 1990م ، وحرمان من الترقيات والعلاوات، مثل ما عانا وطننا الجنوبي منهم في سلب هويته وثقافته ونهب ثرواته، حيث قمنا برفع عدد من التقارير والمناشدات للرئيس هادي لحلحة جزء من هذه المعاناة وإنقاذ المتقاعدين وأسرهم من الموت الحتمي في ظل هذه الظروف الاقتصادية وانهيار العملة والارتفاع الجنوني للأسعار وانعدام الخدمات والوقود والغاز المنزلي، ولكن نعتقد انها لم توصل له بسبب سيطرة الاخوان على رئاسة الجمهورية. واصفاً إياها: "بالحرب الحقيقية ضد هذا الشعب الذي ضحى بألاف الشهداء والجرحى في سبيل استعادة عزته وكرامته".
وأضاف العميد القاضي: "عقدنا اجتماع موسع في 9 مارس 2022م الفائت، وحضره عدد كبير من القيادات العسكرية والأمنية الجنوبية لمناقشة آلية التحرك لاستعادة الحقوق وصرف الرواتب والتي بلغت 18 شهراً، منها مرتب شهرين في 2016م و6 أشهر في 2017م وثمانية أشهر في 2021م وشهرين في عام 2022 الحالي، وبذلك تم تشكيل لجنة تحضيرية تتكون من 20 ضابط من أكفئ ضباط قواتنا المسلحة الجنوبية، وهم معتكفين منذ أسبوع على إعداد مصفوفه من الإجراءات وخطة تصعيد قادمة بالتنسيق مع النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة في هذا التصعيد حتى الوصول الى اعتصام شعبي مفتوح بالعاصمة عدن ، تهز أركان حكومة الفساد المهاجرة التي أشبعتنا بالوعود الكاذبة والذي قال القائل "نسمع جعجعه ولا نرى طحين".
مشيرا: "لصدور قرارات جمهورية لأعداد كبيرة من منتسبي القوات المسلحة الجنوبية ولكن لم ترى النور حتى الان، مع جهوزية ملفات 65 ألف بانتظار قرارات تسوية من الرئيس هادي. منوهاً: " ان الجنوبيين مدنيين وعسكريين لا يعانون فقط من قطع المرتبات ولكن أيضا من نهب للمنازل والأراضي منذ الحرب الظالمة في 1994م ولم يتم البت فيها حتى اللحظة.
الانتقالي بجانب العسكريين
التقى الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في وقت سابق قيادة الهيئة العسكرية العليا للجيش والأمن الجنوبيين، مشيداً بدورها النضالي منذ انطلاق الحراك السلمي الجنوبي في العام 2007م، والذين هم جزء لا يتجزأ من جمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين التي استأثرت بالسبق في دعوة أبناء الجنوب للخروج إلى الشارع والتعبير عن مطالبهم التحررية المشروعة لاستعادة دولة الجنوب.
وأكد الرئيس عيدروس "حرص المجلس على رعاية المؤسسة العسكرية الجنوبية، كأساس متين لبناء دولة الجنوب، معبرًا عن أسفه لمعاناة أفراد القوات المسلحة الجنوبية من انقطاع المرتبات لأشهر عديدة".
وكشفت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي في اجتماع سابق لها عقب عودة حكومة المناصفة للعاصمة عدن: "بأن تأخير صرف مرتبات العسكريين الجنوبيين مخطط تسعى من خلاله الحكومة للدفع بقطاع واسع من أبناء الجنوب نحو التصعيد وخلط الأوراق بهدف إفشال تنفيذ اتفاق الرياض".
وحمّلت هيئة رئاسة الانتقالي الحكومة أي نتائج تترتب على تعنتها، واستفزازها لأبناء الجنوب مدنيين وعسكريين المتضررين من هذا الإجراء اللاإنساني، ودعت قيادة التحالف العربي إلى الضغط على رئاسة الحكومة لصرف الرواتب، كأول عمل أُلزمت بتنفيذه عقب عودتها مباشرة إلى العاصمة عدن".
وتتصاعد الأصوات المنددة لما آلت إليه الأوضاع المعيشية المتدهورة في الجنوب، والرافضة للسياسات الخبيثة التي تنتهجها جماعة الاخوان المسلمين في الحكومة والتي تستمر بتعنتها في عدم اطلاق المرتبات وتنفيذ قرارات التسويات، من أجل تركيع شعب الجنوب والنيل من أهدافه السامية في الحرية والاستقلال، ومحاولة جعل تفكير الجنوبيين يقتصر في كيفية اشباع بطونهم الخاوية، وتوفير الدواء، والمصروف اليومي فقط، ولكن أثبتت جميع المحطات التاريخية على صمود وقوة ارادة هذا الشعب الذي ينطلق من إيمانه بعدالة قضيته، وستبقى راية الجنوب خفاقه والثورة مستمرة حتى انتزاع الحقوق، والانتصار للمشروع الوطني الجنوبي، وإقامة دولة الجنوب الفيدرالية كاملة السيادة.