الذكرى الـ58 ليوم الشهيد الجنوبي: ملحمة وطنية في سجل الخلود
في تاريخ الأمم والشعوب، تظل تضحيات الشهداء هي الشعلة التي تضيء دروب الحرية والاستقلال، وهي القاعدة الصلبة التي تُبنى عليها الأوطان الراسخة.. وفي وطننا الجنوبي، الذي خطّ أبناءه تاريخًا طويلًا من النضال، يمثل يوم الشهيد الجنوبي في ذكراه الثامنة والخمسين محطةً بارزةً لاستذكار قوافل الشهداء الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الدفاع عن الأرض والكرامة، منذ ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة ضد الاستعمار البريطاني، مرورًا بحرب صيف 1994 التي شنها نظام صنعاء الغازي، وما تلاه من حركات المقاومة كحركة حتم، ثم شهداء الحراك الجنوبي السلمي في 2007، ووصولًا إلى تضحيات حرب 2015 ضد الغزو الحوثي، وما يقدمه أبطال قواتنا المسلحة الجنوبية حتى اليوم في ميادين القتال ضد المليشيات الحوثية على الحدود والتنظيمات الإرهابية في الداخل.
التضحية والاستشهاد: قيم خالدة في مسيرة التحرر الجنوبي
لطالما كان الاستشهاد أسمى صور التضحية التي يجسدها الأبطال الذين يهبون أرواحهم ليحيا الوطن؛ فالتضحية ليست خيارًا بل واجبًا حين يكون الوطن مهددًا، والاستشهاد ليس نهاية بل بداية لمرحلة جديدة من الصمود والمقاومة حتى يتحقق الهدف الأسمى.
لقد قدّم شعبنا الجنوبي فاتورةً باهظة من الشهداء الذين ارتقوا دفاعًا عن هويتهم وأرضهم وكرامتهم وحريتهم، فلم تخلُ أسرةٌ جنوبية من شهيد أو جريح، وكانت دماؤهم الطاهرة الزاد الذي أوقد جذوة التحرير.
ملامح من مسيرة التضحيات الجنوبية
1- ثورة الرابع عشر من أكتوبر: ميلاد الحرية
مع انطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963، كان أبناء الجنوب على موعدٍ مع المجد حين واجهوا الاستعمار البريطاني ببسالةٍ منقطعة النظير، وسطروا بدمائهم الطاهرة ملامح التحرير والاستقلال. لقد كانت هذه الثورة نموذجًا للعطاء اللامحدود، واستطاع الجنوبيون بصمودهم تحقيق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، إلا أن معركة الحرية لم تنتهِ عند هذا الحد.
2- حرب صيف 1994: مواجهة الغزو الشمالي
لم يكن إعلان الوحدة في 1990 سوى مرحلة مؤقتة انتهت بغدر نظام صنعاء في حرب صيف 1994، حيث اجتاحت قوات الشمال أرض الجنوب، وواجه شعبنا هذا العدوان ببطولة رغم الاختلال الكبير في موازين القوى، ارتقى آلاف الشهداء وهم يدافعون عن دولة الجنوب وحقهم في الحرية والاستقلال، لكن نيران الحرب لم تطفئ جذوة المقاومة، بل زادتها اشتعالًا.
3 - حركة "حتم" والمقاومة المستمرة
بعد احتلال الجنوب في 1994، لم يستكن الجنوبيون، بل أطلقوا حركات مقاومة متعددة، كان أبرزها حركة "حتم"، التي قادها الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي بمعية رفقائه الأبطال لمواجهة الاحتلال اليمني عسكريًا وسياسيًا، ورغم محاولات قمعها، بقيت جذوة النضال مشتعلة، لتثمر لاحقًا ثورة الحراك الجنوبي السلمي.
4 - ثورة الحراك الجنوبي السلمي (2007): صوت الحرية في وجه الطغيان
كانت انتفاضة شعب الجنوب في 2007 ضد الاحتلال اليمني امتدادًا لنضالاته المستمرة، حيث واجه الجنوبيون آلة القمع بصدور عارية، وارتقى الآلاف من الشهداء الذين رفعوا أصواتهم مطالبين باستعادة دولتهم المسلوبة، ولقد كانت هذه الثورة محطةً مفصليةً أعادت القضية الجنوبية إلى الواجهة وأكدت أن شعب الجنوب لن يقبل العيش تحت هيمنة الاحتلال.
5 - حرب 2015: ملحمة الصمود في وجه الغزو الحوثي العفاشي
عندما اجتاحت المليشيات الحوثية بدعم من نظام عفاش الجنوب في 2015، ظنت أنها قادرة على إخضاعه بالقوة، لكن مقاومة شعبنا كانت لها بالمرصاد. في العاصمة عدن، والضالع، ولحج، وأبين، وشبوة، وحضرموت، سطّر أبطال الجنوب ملاحم تاريخية في الدفاع عن أرضهم، مقدمين قوافل من الشهداء في سبيل التحرر من هذا الغزو البربري. وكان لهذه التضحيات الدور الحاسم في دحر المشروع الحوثي من الجنوب وإلى الأبد.
6 - تضحيات قواتنا المسلحة الجنوبية اليوم: درع الجنوب الحصين
اليوم، لا تزال القوات المسلحة الجنوبية تواصل ملحمة الفداء، وتقدم الشهداء كل يوم، مرابطةفي جبهات القتال ضد المليشيات الحوثية على الحدود، وضد التنظيمات الإرهابية كتنظيم القاعدة في أبين وشبوة وقبلها في عدن ولحج. إن هذه البطولات هي امتدادٌ طبيعي لمسيرة الشهداء؛ حيث يؤكد أبطالنا يومًا بعد يوم أن الجنوب عصي على الكسر، وأن التضحيات مستمرة حتى تحقيق الهدف المنشود.
التضحيات الجنوبية: عهد لا يُنقض وثمنه الاستقلال
إن هذه التضحيات العظيمة التي قدّمها شعب الجنوب ليست مجرد أرقام أو أحداث عابرة؛ بل هي عهد وقسم قطعته الأجيال المتعاقبة على نفسها، بأن هذه الدماء لن تذهب هدرًا، وأن ثمنها الوحيد هو الاستقلال الناجز، الذي لا رجعة فيه ولا تهاون. وهو الأمر الذي أكده ويؤكده الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي في كل خطاباته وكل أحاديثه في الأروقة الدولية؛ حيث شدد على أن حق شعب الجنوب في استعادة دولته حق مشروع لا مساومة عليه، وأن الوفاء للشهداء يقتضي مواصلة النضال حتى تحقيق النصر النهائي.
رسالة الوفاء لأسر الشهداء وأبطال قواتنا المسلحة الجنوبية
في هذه المناسبة العظيمة، نتوجه بتحية إجلال وإكبار إلى أسر الشهداء، إلى الأمهات اللواتي قدّمن أبناءهن فداءً للوطن، إلى الآباء الذين زرعوا في أبنائهم حب الجنوب، إلى الزوجات الصابرات، إلى الأبناء والبنات الذين فقدوا آباءهم لكنهم اكتسبوا وطنًا حرًا... هذه التضحيات لن تُنسى، وهي محفورة في ذاكرة الجنوب إلى الأبد.
كما نوجه التحية إلى قيادتنا السياسية، ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وإلى أبطال قواتنا المسلحة الجنوبية الذين يرابطون في ميادين الشرف والكرامة، يدافعون عن الأرض والهوية بعزيمة لا تلين، مؤكدين أن الجنوب سيظل حرًا أبيًا، وأن النصر قادم لا محالة، مهما كانت التحديات.
إن يوم الشهيد الجنوبي ليس مجرد ذكرى، بل هو محطة متجددة للتأكيد على أن درب الحرية والاستقلال معبّد بدماء الأبطال، وأن شعب الجنوب لن يحيد عن مساره حتى استعادة دولته كاملة السيادة؛ فالنصر ليس حلمًا، بل هو حقيقة قادمة تُصنع بدماء الشهداء، وإرادة الأحرار، وعزيمة المقاتلين في ميادين الشرف.
المجد والخلود لشهداء الجنوب، والحرية والاستقلال لوطننا الجنوبي العزيز.