ثورة أكتوبر: أصالتها وتجددها .. هدف وأجيال وأمجاد
بمناسبة الذكرى الـ61 لثورة 14 أكتوبر المجيدة، وتزامناً مع مليونية الهوية الجنوبية في سيئون، نتذكر أن ثورة أكتوبر كانت حدثاً تاريخياً عظيماً وتحولاً جذرياً وشاملاً في حياة شعبنا وتاريخه المعاصر. وها هي اليوم مصدر إلهام لمواصلة النضال من أجل الحرية والتحرير وتحقيق الاستقلال الثاني لوطننا الجنوب.
ها نحن نقف اليوم على مشارف الذكرى 61 لهذه الثورة في ظل زخم ثوري تحرري جديد هو في حقيقة الأمر امتدادٌ نظريٌ نوعيٌ متطورٌ للثورة الأم "ثورة أكتوبر"، حيث تبدو القواسم المشتركة بين الثورتين أكثر وضوحاً ضمن إطارها الاجتماعي والجغرافي الجنوبي، وفي سياق الأهداف والغايات التحررية بأبعادها الوطنية والاجتماعية والثقافية والسياسية والقيمية والأخلاقية.
إن احتفاء الشعوب في ثوراتها التحررية يمثل محطات للتوقف من أجل إعادة قراءة أحداثها ووقائعها وملاحمها، وتمجيد أبطالها، والحرص على استلهام مآثرها وبطولاتها، وخبراتها وتجاربها، وإحيائها في النفوس والسلوك والضمائر. وغرس قيمها وأهدافها وتاريخها ومثلها في ذاكرة الأجيال، وتمثلها في حاضرنا، لأن ثورة تحررية مثل ثورة 14 أكتوبر المجيدة لها تجذر وخلود في التاريخ، ولها ديمومة في المستقبل.
إذ كانت ثورة حقيقية شاملة غيرت حياة المجتمع سياسياً واقتصادياً وثقافياً بصورة جذرية وشاملة. وجسدت في إطارها الجغرافي وثوارها، قادةً وجنداً، الهوية الجنوبية ووحدة وتلاحم شعب الجنوب، في وقت اعتقد فيه المستعمرون أنهم نجحوا بسياسة التمزيق في ضرب هذه الهوية وتمزيق خارطتها الجغرافية والاجتماعية، ومحو عمقها وتجذرها التاريخي والحضاري، من خلال سياسة خلق الكيانات والهويات المحلية لتشتيت الفعل الثوري والنضال الوطني التحرري لشعبنا الجنوبي بمختلف أشكاله ضد ذات الوجود الاستعماري البريطاني منذ اللحظات الأولى التي وطأت فيها أقدامه شواطئ العاصمة عدن الجميلة بقيادة الكابتن هنس في 19 يناير 1839م.
هذه السياسة الاستعمارية التي تغلبت عليها ثورة أكتوبر، من خلال التلاحم الشعبي الجنوبي وتمسكه بثوابته، حاولت قوى الاحتلال اليمني وما زالت تستخدمها وتكرسها بوسائل وأدوات أشد قسوةً واحترافية، ووفق مخططات متعددة. كانت أسوأها وأكثرها ضرراً استهداف ثورة أكتوبر، وعقب انتصارها، من خلال "يمننتها" كذبا وزورا، وبهدف "يمننة" الجنوب شعباً وأرضاً وتاريخاً. ولأن الكذب والتدليس لا يصمدان في وجه التاريخ وحقائقه، والشعوب وإرادتها خصائصها وأرثها وموروثها الحضاري، فقد تحولت تلك المخططات إلى مدعاة للسخرية والتندر لدى شعبنا الجنوبي الذي أعاد زمام المبادرة في ثورته التحررية الثانية والتي تمثل وبكل المعايير امتداداً وتجددًا عضوياً وتاريخياً ووطنياً لثورة أكتوبر المجيدة، في أهدافها وقيمها وملاحمها، هنا في ساحات وميادين الشرف والبطولة لقواتنا المسلحة الجنوبية وكل شرائح أبناء شعبنا من باب المندب غربًا إلى المهرة شرقًا.
وما الزخم الجماهيري الواسع الذي يتهيأ لمليونية "الهوية الجنوبية" في مدينة سيئون بحضرموت، بالتزامن مع الذكرى 61 لثورة 14 أكتوبر، إلا تجسيداً وتجديداً وامتداداً لثورة أكتوبر، التي كان لحضرموت في مختلف دروبها، بل وفي إرهاصاتها وتراكماتها، دورٌ بارزٌ زاخراً بالبطولات.
وخلاصة القول: إن التلاحم ووحدة الصف، ووحدة القيادة، والتفاني والإخلاص، والانضباط والصبر والتضحية، وصيرورة الاستمرار، والتغلب على العواطف والذات والتحلي بروح المسؤولية، والوعي والإدراك التام بسياسة العدو وما يبثه من سموم دعائية مغرضة، تمثل أهم الدروس والعبر والتجارب ذات الأهمية والقيمة التاريخية لثورة 14 أكتوبر التي لها أهمية كبيرة وقيمة إضافية في تاريخ وحياة شعبنا الجنوبي في الماضي والحاضر والمستقبل