من طهران الى صنعاء .. قراءة في جذور العلاقة بين الحوثي والقاعدة
ان الوقوف على العلاقة بين تنظيم القاعدة الإرهابي وايران لسبر اغوار البداية ، لا يبتعد كثيراً عن الوقوف على العلاقة بين ايران والتنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين واجزائها من التنظيمات الجهادية المتطرفة .
فتنظيم الجماعة الذي ايد ما تسمى بالثورة الخمينية عام 1979 م هو نفسه الذي إغتال الرئيس السادات برصاصات اطلقها إرهابي اخواني النشأة ويدعى " اسلام بولي" وقبل ان يجف دم السادات اطلقت طهران اسم " اسلام بولي " على احد شوارعها ، وقامت بإحتواء ما تسمى " جماعة الهجرة والتكفير " الذي كان من ضمن قادتها ايمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة السابق .. إنها الفترة التي تجذرت فيها العلاقة بين إيران واصل تنظيم القاعدة الإرهابي وفصله .
في ثمانينات القرن ، كانت جماعة الاخوان موجودة في الـ D N التأصيلي للتنظيم القاعدة ومن فروعها - اليمن ومصر - مصدر فكر الـ” T N T“ للتنظيم القاعدة ورافده البشري ، وكان ومازال لإيران اداة المهماز لهذا التكوين الدموي المرعب ، حيث إنتقمت من عدوها التاريخي الثاني "روسيا" ثم اعادت صياغة وغسل عقول التنظيم وتوجيهه خلف جماعة الإخوان نحو عدوها الاول في المنطقة العربية، والبداية من الحرب الجهادية ضد الجنوب وصولاً الى إجتياحه واحتلاله في صيف عام 1994م ، وبناء على معطيات اليوم يبدوا ان هذه الحرب التي تجددت في 2015 م بذات التنسيق والشراكة مستمرة في مشروعها الارهابي الايراني والاخواني والقاعدي ، وأنها حرب وجود ومصير بالنسبة للجنوب ودول منطقة الخليج العربي.
وتمثل فيها قواتنا المسلحة الجنوبي الضمانة الاكيدة لإحباط هذه المشروع القديم المتجدد ، بوصفها اللبنة الاساسية الراسخة على الارض للتحالف العربي الذي تم إنشائه بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة وعضوية دول عربية واقليمية لمواجهة التحديات والمخاطر والتآمرات التي تعصف بالمنطقة، وعلى راسها خطر المشروع والاطماع الايرانية واذرعها وادواتها الإرهابية، وهو التحالف الذي تجسد على الارض من خلال عاصفة الحزم .
وبالعودة الى السرد والتسلسل الزمني للعلاقة القائمة بين ايران وتنظيم القاعدة الإرهابي ، فإن فترة التسعينيات قد شهدت إنتقال هذه العلاقة الى طور متقدم من حيث التخادم والإيواء ، وذلك بفرار العشرات من قادة وزعماء التنظيم الى ايران بينهم ابناء اسامة بن لادن الزعيم الاول والمؤسس لتنظيم القاعدة الإرهابي ، ومثلما كانت ومازالت ايران ملجأ لعناصر تنظيم القاعدة في افغانستان كلما إشتدت عليهم الحرب الدولية، فإن محافظات اليمن الواقعة تحت سيطرة الحوثي باتت ملجأ لزعماء وامراء وعناصر القاعدة وداعش الذين فروا عقب سيطرة القوات المسلحة الجنوبية على اكبر معسكراتهم ومعاقلهم وطردهم من محافظتي ابين وشبوة .
العقل المدبر وتذويب البعد المذهبي
لعبت جماعة الإخوان وفروعها بوصفها العقل الذي يفكر به تنظيم القاعدة في التحولات والمتغيرات الدراماتيكية ، على تذويب البعد المذهبي بين التنظيم وفروعه وإيران واذرعها في المنطقة ، كما عملت الجماعة على إجراء ملاقحة تعزيز التلاحم بين الادبيات الجهادية الإرهابي الايراني والقاعدي ، وبناء شبكة من الهندسة الفكرية الضامنة لديمومته، كوضع هدف الجهاد على ما تطلق عليه ايران والقاعدة وبصيغة مشتركة ( الشيطان الاكبر ) وتقصد الولايات المتحدة الامريكية، ثم جاء جهاد إرهابي رديف، إتفق تنظيم القاعدة وايران واذرعها على تسميته " الجهاد على عملاء راس الشيطان " وهو مصطلح دعائي يردد بكثرة في خطاب القاعدة والحوثي وكل المليشيات الإرهابية الإيرانية.
الحوثي والقاعدة وداعش وبصورة اوضح
لم تثبت الوقائع والاحداث ان القاعدة وداعش والحوثي كانوا يوماً من الايام في عداء ، بل بالعكس اثبتت بالشواهد الدالة ان الإرهاب لبعضه شريك وصديق حميم ومنقذ، فالحوثيون وفور سيطرتهم على صنعاء كانت أول خطوة قاموا بها هي إطلاق سراح سجناء على ذمة قضايا إرهابية بينهم عناصر مطلوبة دولياً واطلقت في دفاعات متتالية 252 سجيناً من سجون الامن القومي والامن السياسي والسجن المركزي بصنعاء وجميعهم ينتمون لتنظيم القاعدة ، ثم اطلقت دفعات اخرها كان آخرها العام الماضي .
كما اطلقت مليشيات الحوثي عناصر ارهابية في اطار تبادل الاسرى مع الجيش اليمني الذي تسيطر عليه جماعة الاخوان ، وفي 14 فبراير الماضي اطلقت المليشيات الحوثية اثنين من العناصر المتطرفة هما القعقاع البيحاني والموحد البيضاني وفقاً لما نشره الموقع الرسمي للحوثيين .
وعوضاً عن ذلك كان الحوثي ومازال وفي سيطرته على المحافظات الشمالية المحاذية للحدود الجنوبية الملاذ الآمن لعناصر وقيادات تنظيمي القاعدة وداعش ، حيث حول مناطق سيطرته كمحافظة البيضاء ملجأ لإيواء العناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة الفارين من الحملات الأمنية والعسكرية التي نفذتها القوات المسلحة الجنوبية في محافظتي ابين وشبوة، ووفر لها كما اكدت التقارير معسكرات ومعاقل بديلة للإيواء والتجميع والتدريب والتسليح ، ولعل اعلان تنظيم القاعدة تبنيه هجوم بطائرة مسيرة على قوات دفاع شبوة دليل على ان حجم التسليح قد تعدى المتفجرات والعبوات الناسفة والالغام التي يوجد في مناطق سيطرة الحوثي منها صنعاء معامل وورش تصنيع يديرها خبراء إيرانيين .
بات للحوثي والقاعدة، تكتيك لتنفيذ عمليات في مناطق جنوبية فشل الحوثي من الوصول إليها وخرج منها بهزائم مذلة، إذ يعتمد على توكيل عناصر القاعدة وداعش للقيام بذلك، ونظراً لشل قدرات امكانياتها في التحرك نحو اهداف مهمة ، يبدو ان الحوثي قد زودها بالطيران المسير ، او انه يقوم هو بنفسه في التنفيذ عبر المسيرات من مناطق سيطرته خارج حدود الجنوب ليتولى تنظيم القاعدة الدور الاعلامي في تبني تنفيذ الهجوم .
الحوثي يستخدم الوفر الكبير من عناصر القاعدة وداعش في مناطق سيطرته على امل تفوييجها مرة اخرى نحو الجنوب بهدف خلط الاوراق واعطاء وإرباك المشهد الداخلي ، ومنه إشغال القوات المسلحة الجنوبية ، ليتسنى له تنفيذ هجوم على الجبهات الحدودية، وهذا تكتيك اثبتت القوات المسلحة والامن فشله في عمليات عدة كان آخرها ، العملية النوعية التي تكللت امس الجمعة بإلقاء القبض على خلية ارهابية بيافع و تتكون الخلية من ثمانية عناصر بينهم اربعة اجانب، الخلية ووفقاً لنتائج التحقيقات الاولية كشفت ان الحوثي ووفقاً لهذا التكتيك الفاشل من اول محاولاته اعد لتفويج دفعات اخرى من القاعدة نحو الجنوب.
تؤكد كل الشواهد ان الحوثي والقاعدة وربيبتها داعش مشروع واحد ويصب من منبع واحد ، ويعمل على خدمة بعضه، فالقاعدة تمني النفس بالعودة الى الجنوب للثأر والانتقام مما لحق بها من هزائم وخسائر غير مسبوقة في عمليات نفذتها القوات المسلحة الجنوبية بنجاح يضاف الى نجاحات الحرب الدولية على الارهاب ، فيما الحوثي واضافة الى ما سبق ذكره يريد يقدم مليشياته الإرهابية لدوائر غربية على انها تحارب الارهاب ، وهذه هي إحدى الاوهام التي لا يمكن ان تنطلي على المجتمع الدولي لأنه بات على إدراك ان الارهاب لا يكافح الارهاب وان الارهاب التي تخوض القوات المسلحة الجنوبية ضده حرباً لا هوادة فيها لم يعد له من مأوى ومعقل سوى تلك التي تتواجد في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية .