في حضرة نوفمبر الاغر.. الجنوب يجدد عظمة الهدف والموقف
عظمة الشعوب تقاس بعظمة الأيام التي تخلد فيها إنجازاتها الكبيرة ، وال 30 من نوفمبر 1967 م كان ذروة العظمة التي تمثل عنوان تاريخ شعبنا الجنوبي ، يوم فارق وعظيم بإمتياز ، اعلنت فيه اكبر إمبراطورية استعمارية حينذاك، انها غير قادرة على صد الطوفان الذي بدا تدفقه من دم الشهيد ومفجر ثورة اكتوبر المجيدة راجح غالب بن لبوزة من جبال ردفان الشماء .
هذا اليوم لم تكن مسراته وإبتهاجاته مقتصرة على شعب الجنوب ، بل كان للشعب العربي من الخليج الى المحيط حصة من المسرات والانتعاش، لا سيما وان شمس الثلاثين من نوفمبر التي اشرقت حرية و تحرير واستقلال الجنوب العربي من الاستعمار البريطاني ، قد جاءت كبارقة امل للامة العربية التي اصيبت بنكسة حزيران .
كان لمصر جمال عبدالناصر الدور الابرز في الدعم العسكري لثورة اكتوبر وفي تغذية التعبئة الجماهيرية والتحفيز للثورة التحررية الجنوبية بمختلف اشكالها الجماهيرية والعسكرية ، وكانت النتيجة ان جعل شعبنا الجنوبي وابطال كفاحه الاكتوبري من ذلك الاسناد ومن تلك التضحيات الجسام والنضال الشاق والمر وعلى طول اربع سنوات من الكفاح، مقومات رهان على تحقيق وإجتراح المستحيل ، قهر "المملكة التي لا تغيب عنها الشمس " ودحرها من الجنوب ، وكذا جبر ضرر ما الم بالامة العربية في حزيران 1967 م .
في ذلك اليوم الاغر الثلاثين من نوفمبر ،1967 م وفي غمرت افراح واحتفالات شعبنا، في العاصمة عدن وكل مدن وارياف الجنوب تابعت مصر العروبة قيادة وشعب هتافات وخطابات الشكر والامتنان لها ، كانت صور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مرفوعة في كل مكان الى جانب صور الرئيس وقائد ثورة اكتور قحطان محمد الشعبي، وعلى نقيض حاد وفي العام نفسه كانت مصر تغالب الثمن الذي دفعته نتيجة طعن ابطال جيشها بالخيانات اليمنية اثناء إسنادها وتدخلها العسكري الى جانب القوى اليمنية في صنعاء،
وما اشبه الليلة بالبارحة ، فها هو نوفمبر الاغر قد عاد بروزنامته ال 55 ، عاد بمبادئه وقيمه ونبله ودروسه وعبره وزخمه ، جاء وفي حضرة ضيائه ظرف تتشابه وقائعه واحداثه بأخرى تعاقبت عليها عقود ستة ، لكنها في حقيقة الامر وبناء على المعطيات والحقائق المستجدة والمعاصرة إسنتسخت نفسها .
حيث إستأنفت قوى الشمال ما ألفته وتطبعت عليه، وواصل شعب الجنوب تقديم نموذجه الوطني والعروبي الفريد ، فكما لعب نظام صنعاء الملكي الكهنوتي في ستينيات القرن الماضي دورا في تدخل سلاح الجو الاسرائيلي في الحرب اليمنية - الملكية الجمهورية - على امل التأثير على الزخم الثوري للحركة الوطنية التحررية في الجنوب العربي وإشغال الزعيم جمال عبدالناصر بمستنقع الشمال ، اقدمت السلالة الكهنوتية وبنسختها الحوثية الطائفية على إعلان نفسها ذراعا إيرانية إرهابية بترت اليمن عن نسيجه وهويته العربية والحقته لإيران وحولته الى مصدر تهديد لدول الخليج العربي ومشروعها النهضوي الذي يعول كل عربي في النهوض بواقع الامة.
من جانب آخر وعلى الوجه الثاني لمنظومة صنعاء ، اعادت تلك القوى الى الواجهة تاريخها الاسود مع الجيش المصري في ستينيات القرن الماضي ، فمن خلال إنخراطها تحت مظلة الشرعية والسيطرة على مفاصلها والتحكم بالحبل السري المادي واللوجستي لعاصفة الحزم واعادة الامل ، عملت على صناعة ومكاثرة اسباب الفشل و إستنزاف التحالف العربي وتعطيل فاعلية و اداء الشرعية وحكوماتها وتأزيم الوضع في الجنوب المحرر ، وتضخيم المليشيات الحوثية وتمكينها من السيطرة على جل محافظات الشمال مقابل تفوييج العناصر الارهابية الى الجنوب ، وتقديم كل ما من شأنه يضعف التحالف العربي ويحرج قيادته ، بل ذهب الامر الى تمكين المليشيات الحوثية من الوصول الى سلاح التحالف المقدم لما يسمى بالجيش الوطني الموالي لجماعة الاخوان .
ورغم تلك الدورات اليمنية الشائكة ، حافظ الجنوب على اصالة الوفاء التي جبل عليها ، ظل وسيبقى على الدوام سرمديا بهويته الوطنية والعربية حتى في احلك واصعب الظروف والمنعطفات التاريخية التي تساقطت الى سحيقها صنعاء وقواها ومليشياتها ودويلاتها الدينية والطائفية والنفعية السياسية والقبلية ،
قدم شعب الجنوب في 2015 م وما تلاها من سنوات الحرب ومن خلال مقاومته وقواته المسلحة في معركة التصدي للمشروع الايراني البغيض وإلحاق الهزيمة بمليشياته الحوثية وصولا الى طردها من كل ربوع الجنوب، نسخة طبق الاصل من تلك التي قدمها الى امته العربية في الثلاثين من نوفمبر 1967م . وذلك من خلال صدقه ووفائه للأشقاء في التحالف العربي وتفانيه في تحمل اعباء مهمة كسر شوكة الاطماع الايرانية على الارض وخوض معركة الحرب على الارهاب وتنظيماته والاطراف الداعمة لها .