النصب التذكاري للشهيد الجنوبي .. رمز الفداء وقصة صمود في وجه المحو والتدمير

  بعد الإستقلال الوطني الأول للجنوب في 30 نوفمبر 1967 م تم إختيار 11 فبراير من كل عام كمناسبة وطنية للاحتفاء بيوم الشهيد الجنوبي .. وجعلة من المناسبات الوطنية لتخليد نضالات وتضحيات وبطولات شعبنا من أجل الحرية والاستقلال وفي الوقت ذاته إحياء بطولات وأمجاد من استشهدوا في سبيل وطننا الجنوب عبر مراحل ومحطات التاريخ المختلفة .   الشعوب المناضلة والحية تحرص على تمجيد وتبجيل وتخليد شهدائها بطرق ووسائل وتقاليد ثقافية مختلفة وتبني وتشيد الصروح الكبيرة المقدسة لهؤلاء الشهداء الميامين، في أكبر واجمل الساحات العامة في العواصم الوطنية.. وعند هذه الساحات التي تتحول إلى واحدة من أبرز المعالم والمزارات الوطنية والتاريخية توقد الشعلة ، والتي يطلق عليها في بعض البلدان تسمية ضريح الجندي المجهول ..   من التقاليد والواجبات والاحتفالات الرسمية، تأتي زيارة هذا الصروح ووضع أكاليل الورود من قبل قيادة الدولة وممثلي منظمات ومؤسسات المجتمع المدني والطلاب وممثلي القوات المسلحة وفي مناسباتها واعيادها الخاصة والوطنية والتاريخية يمثل تقليداً وطنياً عريقاً لدى الكثير من الشعوب ودول المعمورة بما فيها شعب الجنوب، كما يعتبر زيارة الوفود الرسمية الرفيعة من الدول الأخرى لهذا الصرح ( ضريح الجندي المجهول ) أحد برامج هذه الزيارات التي تحمل في مضامينها دليل إحترام وتقدير وتبجيل الزوار الأجانب لبطولات وتضحيات الشعب الذي يزورونه.   بعد الإستقلال الأول من الإستعمار البريطاني لوطننا الجنوب، تم إنشاء الصرح الذي يخلد نضالات شعبنا وتضحيات شهدائة الأبرار، وذلك في مدينة التواهي وفي ساحة عامة ، وتحديداً بجانب حديقة التواهي وأمام مبنى التلفزيون سابقاً .. ظل هذه النصب التذكاري حتى إحتلال وغزو الجنوب في صيف 1994 م هذا المعلم الوطني برمزيته النضالية الكبيرة، تم تدميره من قبل قوى الإحتلال الإرهابية ، لا لشيئ سوى انه رمز ثقافي وتاريخي لنضال وتضحيات شعبنا، و في سياق نهج سياسي لنظام الإحتلال الذي كرس لطمس كل ذي صلة بهوية الجنوب والغاء ومحو مآثر وشواهد تاريخه العريق.   ولا زالت بقاياه ( النصب التذكاري لشهداء الجنوب) موجودة حتى اليوم في ذات المكان المهيب .. ذلك النصب الشامخ، الذي كتبت عليه عبارة " كنتم الطليعة وستظلون رمزاً لتضحيات شعبنا" ، مع مجسم من البرونز لشهيد يحضنه رفيقه، هذا المجسم تم نهبه ضمن غنائم قوى الغزو الإرهابي في صيف 1994 م ( تم نهبه ورمية في احد حوش منزل الشيخ الأحمر في صنعاء ) .   أمام هذه الصرح كانت الشعلة " شعلة الثورة" ثورة أكتوبر المجيدة ، وقد شكل مزاراً تضع أمامه الزهور وتنحني الهامات تقديراً وتبجيلاً لتضحيات الشهداء ، بل كان مدرسةً تربوية للنشء والأجيال يتعلمون منه وعنده ، الكثير من العبر والدروس والتجارب الوطنية لمعاني الفداء والتضحية ويتعرفون على مآثر وبطولات وتضحيات آبائهم وأجدادهم رواد الثورة والتحرير ، وعلى وجه الخصوص الشهداء منهم باعتبارهم أشرف وانبل واشجع من انجبتهم هذه الأرض وأكثرهم وفاء وولاء وإخلاص لوطنهم الجنوب وشعبهم الذي استرخصوا في سبيلة الفداء والتضحية بأغلى ما يملكون ، دمائهم وحياتهم .. وهل هناك عند الإنسان ما هو اغلى من حياته ليهبها لوطنه ؟ .. ورغم التدمير والمحو الممنهج، إلا انه ظل ومازال شامخاً برمزيته ، عامرا برسائلة ودلالاته ودروسه وعبره .