20 يونيو .. يوم رد الجنوب الإعتبار للأمة عقب نكسة حزيران 67

  تعتبر إنتفاضة 20 يونيو 1967م التي نفذها أبطال ثورة أكتوبر بالعاصمة عدن ، محطة فارقة  في تاريخ النضال الوطني والكفاح المسلح الجنوبي ضد المحتل البريطاني، ملحمة دفعت بعجلة الإستقلال المجيد وابطلت مخططات المستعمر ، وكانت في الوقت نفسه ، ملحمة بطولية جنوبية عربية ، حيث انعكست أهميتها واثرها الى ما تحتاجه الامة العربية وقتذاك من نصر يستنهض همتها ويرفع هامتها التي إنتكست وانجرحت بنكسة حزيران .   في ذلك اليوم الأغر تحولت مدينة كريتر الى فوهة بركان حقيقي احترق به الغرور الإستعماري البريطاني ، ومنها بدأ انحسار الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.  
  • التداعيات وتسلسل الرد المنظم والحاسم
  جاءت ملحمة 20 يونيو بعد نكسة حزيران عام 1967م والتي استطاع خلالها الكيان الصهيوني التغلب على الجيوش العربية، حيث أصيبت الشعوب العربية وقتها بخيبة أمل وانتكاسة شديدة، وفي المقابل نشأ لدى الإنجليز بعد تلك النكسة إعتقاد بإمكانية القضاء على الحركة الوطنية التحررية الجنوبية وإعادة ترتيب الأوضاع في عدن والمحميات ،بالاتفاق مع العناصر الموالية لهم وبما يتناسب مع مصالح الاحتلال،  لكن في المقابل كان لدى ثوار ومناضلي ثورة أكتوبر وكل فئات شعب الجنوب وضباط وجيش الإتحاد الذي يعتقد المستعمر انه سينفذ ما يملى عليه ، مشاعر غضب و مرارة ، تحولت الى عنفوان ثوري في سلسلة من الأحداث والإنتفاضات السلمية والعسكرية بددت تصورات المستعمر في إخماد ثورة 14 من اكتوبر .   البداية اشبه بمحاولات قوى المحتل اليمني اليوم و التي فشلت مرة بعد اخرى نظرًا لمحاولات تكريس الاحتلال بمسميات وادوات مختلفة، حيث شرعت سلطة الاستعمار البريطاني ونظراً لإخفاق  كل وسائلها العسكرية والحربية واجراءاتها القمعية في كبح جماح إرادة الثوار في التحرير والاستقلال وايقاف زحفهم ، الى تنفيذ مخطط ابقاء احتلالها للجنوب وعاصمته عدن من خلال تشكيلات عسكرية وأمنية سبق وان دربتها وسلحتها ، لكنها تفاجأت بان الكثير من قادة تلك التشكيلات على علاقة مع الحركة الوطنية الجنوبيةالتحررية وجيش تحريرها ، وهو ما دفعها الى الإسراع في إتخاذ قرارات تعزز خططتها و تخدم مصالحها وأهدافها .   في الأول من يونيو 1967م صدر قرار السلطات البريطانية بإنشاء ” جيش الجنوب العربي ” من خلال توحيد خمس كتائب من جيش الاتحاد النظامي وأربع كتائب من الحرس الإتحادي وأوكلت مهمة الإشراف إلى الضابط البريطاني ” داي ” وعين العميد ناصر بن بريك العولقي قائداً للجيش بينما توزعت المناصب الرئيسية الأخرى بصورة لم تقنع ضباط الجيش الجديد، فكان ذلك بمثابة إضافة جديدة لإشعال فتيل إنتفاضة داخل آخر معاقل السلطات الاستعمارية وتحديدا في العاصمة عدن، قاد هذه الانتفاضة ما عرف بالتنظيم السري للجبهة القومية داخل الجيش الاتحادي   في هذا الجو المشحون وفي 14 / 6 / 1967م اصدرت قرارات بإيقاف أربعة ضباط من الذين وقعوا مذكرة المطالب التي رفعت إلى المجلس الأعلى لحكومة الاتحاد والى المندوب السامي.   تسرب قرار التوقيف، فقررت قيادة الجيش والأمن وبالتنسيق مع الجبهة القومية (ذات التأثير الكبير في أوساط ضباط الجيش والأمن) قبول التحدي واستباق القرار عبر القيام بحركة تمرد بطولية بداية الدوام الأسبوعي أي السبت 20 يونيو 1967م. الا ان حالة الغضب والعنفوان المنظم ادى الى انفجار الوضع في يوم الجمعة 19 يونيو أثناء محاولة ضباط وجنود معسكر (فقم) في البريقة الإستيلاء على المعسكر ، صحيح ان القوات البريطانية افشلت ذلك ، الا ان الانتفاضة استمرت وبصورة ووتيرة اكثر .   استغلت قيادة الثورة ، ثورة 14 اكتوبر ، تلك القرارات بحنكة ودهاء كبيرين ووظفتها ضد المستعمر، كانت على ثقة بأن الجيش الذي اطرت كثيراً من ضباطه وافراده في تنظيم سري منذ وقت سابق سيضعف ثقة المستعمر بنفسه.   حاول وزير الخارجية البريطانية من لندن ايصال رسائل تطمين على أمل  تهدئة الأوضاع المتوترة، لكن رسائل الحكومة البريطانية ساهمت من حيث لا يرغب ، حيث ساهم في إشعال الموقف، وزاد من إصرار الجبهة القومية وعناصرها في الجيش والأمن بضرورة أخذ زمام المبادرة والسير في مشوار التحدي والمجابهة إلى نهايته من خلال تصعيد الخلاف حول الضباط الموقوفين خاصة بعد أن أصبح من المؤكد سعي قوات الاحتلال وعملائها لتصفية خلايا الجبهة القومية المتغلغلة في صفوف الجيش والأمن.   انتشر خبر الإنتفاضة من داخل المعسكر «البريقة » إلى مدينة الشيخ عثمان, عندها خرجت الجماهير في مسيرة منظمة وحاشدة مما دفع القوات البريطانية إلى إعلان حالة الإستنفار القصوى لوحداتها العسكرية وبقية أجهزة حكمها وفي حوالى الساعة التاسعة من ذلك اليوم الميمون وبينما كانت القوات البريطانية آتية من معسكر سنغافورة باتجاه معسكر (ليك لاين) في مدينة الشيخ عثمان اعترضها جنود الحرس الاتحادي المتمركزين في معسكر (تشامبيون لاين) وأطلقت عليها النيران مما أدى إلى مصرع (9)جنود بريطانيين وجرح (11) وإعطاب عدد من الآليات وفي المقابل استشهد اثنان من الثوار الأبطال .   إنتفاضة وملحمة بطولية   وفي صباح يوم 20 يونيو 1967م، كانت الكثير من معسكرات الأمن والجيش التابعة للجيش الإتحادي ،ساحة إندلاع الإنتفاضة الباسلة: معسكر صلاح الدين (في البريقة)، معسكر ليك (الشهيد عبدالقوي)، ومدينة الاتحاد (مدينة الشعب)، ومعسكر شامبيون (النصر)، وكان معسكر البوليس المسلح (20 يونيو)،  هو الساحة الرئيسية لهذه الإنتفاضة والملحمة البطولية ،على إثر ذلك دفعت القوات البريطانية بتعزيزات جديدة وقامت بهجوم على معسكر النصر من كافة الإتجاهات فدارت معركة كبيرة تكبد فيها المحتل خسائر فادحة في الأرواح والمعدات والأنكى من ذلك خسارته الكبيرة المتمثلة بمن كان يعتمد عليهم ، ليس بانضمامهم إلى جانب الثوار بل قيامهم في مواجهته المباشرة وبانحيازهم التام إلى جانب الوطن الجنوبي.   توقف القتال ظهر ذلك اليوم، إلا أن التوتر انتقل إلى معظم مراكز ومعسكرات الجيش الاتحادي وأشدها توتراً معسكر (أرمد بوليس) (الشرطة المسلحة) معسكر 20 يونيو في كريتر حيث قام الفدائيون في البوليس المسلح والمدني والفدائيون المدنيون... بإغلاق مدينة كريتر في وقت وجود لجنة من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق ، كانت تقيم في فندق السيفيو وحينها شعرت بريطانيا بالحرج فأرسلت عربات عليها 16 ضابطاً وجندياً بريطانياً دخلت إلى المدينة غير انهم قتلوا .   وفي نفس اليوم وعند الشعور بالهزيمة وتمكن الجنود والضباط من الإستيلاء على مخازن الأسلحة والذخائر رغم الإحتياطات الكبيرة التي اتخذها المستعمر البريطاني  للحيلولة دون ذلك ورغم ذلك التفوق الكبير للجيش البريطاني إلا أن الثوار أحكموا سيطرتهم على المدينة بشكل تام رغم استمرار القوات المحتلة بالقصف البريطانيإتجاهات البرية والبحرية والجوية للمدينة.   رغم ما عرف عن القوات البريطانية من تكتم عن الخسائر التي منيت بها على طول سنوات ثورة أكتوبر وما سبقها من انتفاضات مسلحة على امتداد الجنوب ، إلا انها ومع مغيب شمس أول ايام ملحمة 22 يونيو بأنها خسرت  (22)جندياً وضابطاً و عدداً من الجرحى.   مع مغيب شمس أول أيام الملحمة أعلنت القوات البريطانية بأن قواتها خسرت (22)جندياً وضابطاً وعدداً من الجرحى مع ما عرف عنها من التكتم الدائم عن الخسائر ،وبنفس اليوم عقد مجلس العموم البريطاني اجتماعاً طارئاً لمناقشة ما يحدث في عدن وفيه أعلن (نائب وزير الخارجية البريطاني) بأن هذا اليوم يوم المأساة السوداء وأن الموقف خطير معترفاً أن الخسائر البريطانية خارج مدينة عدن تزيد عن 12 جندياً وضابطاً ومدنياً واحداً وإصابة 29 آخرين من الجنود وهناك 22 جندياً وضابطاً مازالوا في عداد المفقودين أما خسائرهم في مدينة كريتر فلم تزل مجهولة.   قطع الماء والكهرباء واستقدام قوة من الجيش الملكي   في سبيل استعادة هيبتها المفقودة قامت بريطانيا بتدريب قوة خاصة تسمى "الأرجيل" في منطقة "إداموت" البريطانية تدريباً قتالياً خاصاً وسريعاً على منطقة تشبه بخصائصها الجغرافية مدينة كريتر وقامت بنقل هذه القوات البريطانية إلى عدن، و أصبح عدد القوات البريطانية المشتركة في القتال حتى يوم 29 يونيو 67م ( 12600 ) جندي وضابط بريطاني كقوات برية، كما قامت باستقدام قوات بحرية من مستعمراتها في أفريقيا لتعزيز قواتها البحرية لإحكام الحصار على المدينة واقتحامها فكانت هذه القوات هي الطلائع التي استطاعت أن تحقق نجاحاً نسبياً تمثل باختراق جزئي لمدينة" كريتر" بعد قصفها وحصارها، ولا شك ساعدها في تحقيق ذلك النجاح قطع الماء والكهرباء والمساعدات الإنسانية بما فيها الطبية من الوصول إلى سكان المدينة والتي شكلت ضغطاً نفسياً كبيراً على الثوار بقدر مساعدة تلك القوة على الإختراق واحتلال نصف المدينة خلال الفترة حتى 4 يوليو بعد أن تكبدت خسائر فادحة مستخدمة وسائلها الحربية الحديثة بقصف المدنيين العزل والأبرياء دون تفريق بين طفل وامرأة مما أنزل خسائر كبيرة بالمواطنين.   كانت القوات البريطانية تحسب للخسائر المحتملة ألف حساب وذلك في حالة دخولها المدينة وبعقلية المستفيد من الدروس التي تتلقنها على الواقع العملي مما جعلها تتردد من اقتحام المدينة كي لا تتكبد المزيد من الخسائر ، الا ان قواتها المدربة التي جرى استقدامها وصلت إلى النصف الجنوبي من مدينة كريتر، متكبدة خسائر كبيرة .   وتوقف التصعيد بدخول وساطة على ان لا يتم ملاحقة ضباط الجيش الاتحادي الأبطال ، وبغرض استمرار الملحمة واستثمار نتائج هذا النصر في الميدان السياسي والوطني الجنوبي والذي اتسع إلى معظم الساحة النضالية الجنوبية متمثلاً بتعاظم الزخم الجماهيري  في مدن ومناطق الجنوب وانضمام كثير من وحدات الجيش والأمن الاتحادي إلى صفوف الثورة ، ودون شك كان قبول القوات البريطانية وقيادتها وحكومتها بشروط الثوار نصراً مؤزراً.   ليس من المعهود ان وفت القوات البريطانية باي وعد واتفاق وبالتالي وبعد مرور ثلاثة ايام وتحديداً  في 7 يوليو 1967م دخلت القوات البريطانية بقية أحياء عدن ولكنها كعادتها أخلَّت بالاتفاقية وقامت باعتقالات في صفوف المواطنين ممن يشكلون أرضاً وغطاءً للمقاومين والفدائيين وقادتهم امثال  سالم ربيع علي وفيصل عبد اللطيف.   استمرت ملحمة 20 يونيو وشملت كل مناطق العاصمة عدن وتواصلت مواكب النصر وسط إنهيار جيش الاحتلال ، وتصاعد العمليات الفدائية ، ففي عدن وحدها وصل متوسط العمليات الفدائية ضد الاستعمار إلى 22 عملية في اليوم وخسائرها في الأرواح في اليوم أيضاً إلى ما يزيد على 12 جندياً بريطانياً وامتدت سيطرة الثورة إلى عدد من المناطق القريبة من كريتر عدن .